الآيات 26-30

وَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَلاَ تُبَذِّرْ تَبْذِيرًا ﴿26﴾ إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُواْ إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِرَبِّهِ كَفُورًا ﴿27﴾ وَإِمَّا تُعْرِضَنَّ عَنْهُمُ ابْتِغَاء رَحْمَةٍ مِّن رَّبِّكَ تَرْجُوهَا فَقُل لَّهُمْ قَوْلاً مَّيْسُورًا ﴿28﴾ وَلاَ تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ وَلاَ تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُومًا مَّحْسُورًا ﴿29﴾ إِنَّ رَبَّكَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَن يَشَاء وَيَقْدِرُ إِنَّهُ كَانَ بِعِبَادِهِ خَبِيرًا بَصِيرًا ﴿30﴾

اللغة:

التبذير التفريق بالإسراف وأصله أن يفرق كما يفرق البذر إلا أنه يختص بما يكون على سبيل الإفساد وما كان على وجه الإصلاح لا يسمى تبذيرا وإن كثر قال النابغة:

ترائب يستضيء الحلي فيها

كجمر النار بذر بالظلام والإعراض صرف الوجه عن الشيء وقد يكون عن قلى وقد يكون للاشتغال بما هو الأولى وقد يكون للإذلال كما قال وأعرض عن الجاهلين وأصل الحسر الكشف من قولهم حسر عن ذراعه يحسر حسرا إذا كشف عنه والحسرة الغم لانحسار ما فأت ودابة حسير إذا كلت لشدة السير لانحسار قوتها بالكلال ومنه قوله ينقلب إليك البصر خاسئا وهو حسير والمحسور المنقطع به لذهاب ما في يده وانحساره عنه قال الهذلي:

إن العسير بها داء مخامرها

فشطرها نظر العينين محسور ويقال حسرت الرجل بالمسالة إذا أفنيت جميع ما عنده.

الإعراب:

﴿وإما تعرضن﴾ تقديره وإن تعرض وما مزيدة وابتغاء مفعول له وقيل هو مصدر وضع موضع الحال أي مبتغيا رحمة من ربك ترجوها أي راجيا إياها وترجوها جملة في موضع الجر بكونها صفة لرحمة ويجوز أن يكون في موضع النصب على الحال من الضمير في تعرضن.

المعنى:

ثم حث سبحانه نبيه (صلى الله عليه وآله وسلّم) على إيتاء الحقوق لمن يستحقها على كيفية الإنفاق فقال ﴿وآت ذا القربى حقه﴾ معناه وأعط القرابات حقوقهم التي أوجبها الله لهم في أموالكم عن ابن عباس والحسن وقيل إن المراد قرابة الرسول عن السدي قال إن علي بن الحسين (عليهما السلام) قال لرجل من أهل الشام حين بعث به (عليه السلام) عبيد الله بن زياد إلى يزيد بن معاوية أ قرأت القرآن قال نعم قال أما قرأت ﴿وآت ذا القربى حقه﴾ قال وإنكم ذو القربى الذي أمر الله أن يؤتى حقه قال نعم وهو الذي رواه أصحابنا عن الصادقين (عليهما السلام) وأخبرنا السيد أبو الحمد مهدي بن نزار الحسيني قراءة قال حدثنا أبو القاسم عبيد الله بن عبد الله الحسكاني قال حدثنا الحاكم الواحد أبو محمد قال حدثنا عبد الله عمر بن أحمد بن عثمان ببغداد شفاها قال أخبرني عمر بن الحسن بن علي بن مالك قال حدثنا جعفر بن محمد الأحمسي قال حدثنا حسن بن حسين قال حدثنا أبو معمر سعيد بن خثيم وعلي بن القاسم الكندي ويحيى بن يعلى وعلي بن مسهر عن فضل بن مرزوق عن عطية العوفي عن أبي سعيد الخدري قال لما نزل قوله ﴿وآت ذا القربى حقه﴾ أعطى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) فاطمة فدكا قال عبد الرحمن بن صالح كتب المأمون إلى عبد الله بن موسى يسأله عن قصة فدك فكتب إليه عبد الله بهذا الحديث رواه الفضيل بن مرزوق عن عطية فرد المأمون فدكا إلى ولد فاطمة (عليها السلام) ﴿والمسكين وابن السبيل﴾ معناه وآت المسكين حقه الذي جعله الله له من الزكاة وغيرها وآت المجتاز المنقطع عن بلاده حقه أيضا ﴿ولا تبذر تبذيرا﴾ قيل إن المبذر الذي ينفق المال في غير حقه عن ابن عباس وابن مسعود وقال مجاهد لو أنفق مدا في باطل كان مبذرا ولو أنفق جميع ماله في الحق لم يكن مبذرا وروي عن أبي عبد الله (عليه السلام) أن أمير المؤمنين (عليه السلام) قال لعناية كن زاملة للمؤمنين وإن خير المطايا أمثلها وأسلمها ظهرا ولا تكن من المبذرين ﴿إن المبذرين كانوا إخوان الشياطين﴾ معناه إن المسرفين أتباع الشياطين سالكون طريقهم وهذا كما يقال لمن لازم السفر هو أخو السفر وقيل معناه أنهم قرناء الشياطين في النار ﴿وكان الشيطان لربه كفورا﴾ أي كان الشيطان في قديم مذهبه كثير الكفر مرة بعد أخرى ﴿وإما تعرضن عنهم﴾ أي وإن تعرض عن هؤلاء الذين أمرتك بإيتاء حقوقهم عند مسألتهم إياك لأنك لا تجد ذلك حياء منهم ﴿ابتغاء رحمة من ربك ترجوها﴾ أي لتبتغي الفضل من الله والسعة التي يمكنك معها البذل بأمل تلك السعة وذلك الفضل ﴿فقل لهم قولا ميسورا﴾ أي عدهم عدة حسنة وقل لهم قولا سهلا لينا يتيسر عليك وروي أن النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) كان لما نزلت هذه الآية إذا سئل ولم يكن عنده ما يعطي قال يرزقنا الله وإياكم من فضله ﴿ولا تجعل يدك مغلولة إلى عنقك﴾ أي لا تكن ممن لا يعطي شيئا ولا يهب فتكون بمنزلة من يده مغلولة إلى عنقه لا يقدر على الإعطاء والبذل وهذا مبالغة في النهي عن الشح والإمساك ﴿ولا تبسطها كل البسط﴾ أي ولا تعط أيضا جميع ما عندك فتكون بمنزلة من بسط يده حتى لا يستقر فيها شيء وهذا كناية عن الإسراف ﴿فتقعد ملوما﴾ تلوم نفسك وتلام ﴿محسورا﴾ منقطعا به وليس عندك شيء عن السدي وابن عباس وقيل عاجزا نادما عن قتادة وقيل محسورا من الثياب والمحسور العريان عن أبي عبد الله (عليه السلام) وقيل معناه إن أمسكت قعدت ملوما مذموما وإن أسرفت بقيت متحسرا مغموما عن الجبائي وقال الكلبي لا تعط ما عندك جميعا فيجيء الآخرون يسألونك فلا تجد ما تعطيهم فيلومونك وروي أن امرأة بعثت ابنها إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) وقالت قل له إن أمي تستكسيك درعا فإن قال حتى يأتينا شيء فقل له إنها تستكسيك قميصك فأتاه فقال ما قالت له فنزع قميصه فدفعه إليه فنزلت الآية ويقال إنه (عليه السلام) بقي في البيت إذ لم يجد شيئا يلبسه ولم يمكنه الخروج إلى الصلاة فلامه الكفار وقالوا إن محمدا اشتغل بالنوم واللهو عن الصلاة ﴿إن ربك يبسط الرزق لمن يشاء ويقدر﴾ أي يوسع مرة ويضيق مرة بحسب المصلحة مع سعة خزائنه ﴿إنه كان بعباده خبيرا بصيرا﴾ أي عالما بأحوالهم بصيرا بمصالحهم فيبسط على واحد ويضيق على آخر يدبرهم على ما يراه من الصلاح.

النظم:

وإنما اتصلت هذه الآية الأخيرة بما قبلها من حيث إن فيها حثا على الإعطاء اعتمادا على الله تعالى ونهيا عن البخل وحتما على القصد إذ هو سبحانه مع غناه وكمال قدرته يوسع مرة ويضيق مرة أخرى مراعاة للمصلحة فمن هو دونه أولى أن يراعي الصلاح ويملك طريق القصد.