الآية- 78

أَيْنَمَا تَكُونُواْ يُدْرِككُّمُ الْمَوْتُ وَلَوْ كُنتُمْ فِي بُرُوجٍ مُّشَيَّدَةٍ وَإِن تُصِبْهُمْ حَسَنَةٌ يَقُولُواْ هَذِهِ مِنْ عِندِ اللّهِ وَإِن تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَقُولُواْ هَذِهِ مِنْ عِندِكَ قُلْ كُلًّ مِّنْ عِندِ اللّهِ فَمَا لِهَؤُلاء الْقَوْمِ لاَ يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ حَدِيثًا ﴿78﴾

القراءة:

روي في الشواذ أن طلحة بن سليمان قرأ يدرككم الموت برفع الكاف.

الحجة:

هذه القراءة ضعيفة على أن لها وجها وهو أن يكون على حذف الفاء فكأنه قال فيدرككم الموت ومثله بيت الكتاب:

من يفعل الحسنات الله يشكرها

والشر بالشر عند الله مثلان أي فالله يشكرها.

اللغة:

البروج جمع برج وأصله من الظهور يقال تبرجت المرأة إذا أظهرت محاسنها والبرج اتساع في العين لظهور العين بالاتساع والمشيدة المزينة بالشيد وهو الجص والشيد رفع البناء يقال شاد بناءه يشيده إذا رفعه وإنما قيل للجص شيد لأنه مما يرتفع به البناء ويجوز أشاد الرجل بناءه إذا رفعه فأما في الذكر فإنه أشاد بذكره لا غير والفقه الفهم يقال فقه الرجل يفقه فقها والاسم الفقيه وصار بعرف الاستعمال علما على علم الفقهاء من علوم الدين وفقه الرجل يفقه فقاهة إذا صار فقيها والتفقه تعلم الفقه.

الإعراب:

أين من الظروف التي يجازى بها بتضمنها معنى إن ولا يلزمه ما تقول أين تكن أكن وأينما تكن أكن وهي تستغرق الأمكنة كما أن متى تستغرق الأزمنة وكتبت أينما هنا موصولة وفي قوله أين ما كنتم تدعون مفصولة لأن ما هاهنا مزيدة وهنالك بمعنى الذي فوصلت هذه كما توصل الحروف وفصلت تيك كما تفصل الأسماء و﴿ما لهؤلاء﴾ كثرت في الكلام حتى توهموا أن اللام متصلة بها وإنهما حرف واحد ففصلوا اللام مما بعده في بعض المواضع ووصلوها في بعضها ولا يجوز الوقف على اللام لأنها اللام الجارة.

المعنى:

ثم خاطبهم تعالى فقال ﴿أينما تكونوا يدرككم الموت﴾ أينما كنتم من المواضع والأماكن ينزل بكم الموت ويلحقكم ﴿ولو كنتم في بروج مشيدة﴾ قيل يعني بالبروج القصور عن مجاهد وقتادة وابن جريج وقيل قصور في السماء بأعيانها عن السدي والربيع وقيل المراد به بروج السماء وقيل البيوت التي فوق الحصون عن الجبائي وقيل الحصون والقلاع عن ابن عباس فهذه خمسة أقوال والمشيدة المجصصة عن عكرمة وقيل المزينة عن أبي عبيدة وقيل المطولة في ارتفاع عن الزجاج وغيره ﴿وإن تصبهم حسنة يقولوا هذه من عند الله﴾ اختلف في من حكى عنهم هذه المقالة فقيل هم اليهود قالوا ما زلنا نعرف النقص في أثمارنا ومزارعنا منذ قدم علينا هذا الرجل عن الزجاج والفراء فعلى هذا يكون معناه وإن أصابهم خصب ومطر قالوا هذا من عند الله وإن أصابهم قحط وجدب قالوا هذا من شؤم محمد كما حكى عن قوم موسى وإن تصبهم سيئة يطيروا بموسى ومن معه ذكره البلخي والجبائي وهو المروي عن الحسن وابن زيد وقيل هم المنافقون عبد الله بن أبي وأصحابه الذين تخلفوا عن القتال يوم أحد وقالوا للذين قتلوا في الجهاد لو كانوا عندنا ما ماتوا وما قتلوا فعلى هذا يكون معناه إن يصبهم ظفر وغنيمة قالوا هذا من عند الله وإن يصبهم مكروه وهزيمة قالوا هذه من عندك يا محمد بسوء تدبيرك وهو المروي عن ابن عباس وقتادة وقيل هو عام في اليهود والمنافقين وهو الأصح وقيل هو حكاية عمن سبق ذكره قبل الآية وهم الذين يقولون ربنا لم كتبت علينا القتال وتقديره وإن تصب هؤلاء حسنة يقولوا هذه من عند الله ﴿وإن تصبهم سيئة يقولوا هذه من عندك﴾ قال ابن عباس وقتادة الحسنة والسيئة السراء والضراء والبؤس والرخاء والنعم والمصيبة والخصب والجدب وقال الحسن وابن زيد هو القتل والهزيمة والظفر والغنيمة ﴿قل﴾ يا محمد ﴿كل من عند الله﴾ أي جميع ما مضى ذكره من الموت والحياة والخصب والجدب من عند الله وبقضائه وقدره ولا يقدر أحد على رده ودفعه ابتلى بذلك عباده ليعرضهم لثوابه بالشكر عند العطية والصبر على البلية ﴿فما لهؤلاء القوم﴾ أي ما شأن هؤلاء المنافقين ﴿لا يكادون يفقهون حديثا﴾ أي لا يقربون فقه معنى الحديث الذي هو القرآن لأنهم يبعدون منه بإعراضهم عنه وكفرهم به وقيل معناه لا يفقهون حديثا أي لا يعلمون حقيقة ما يخبرهم به أنه من عند الله من السراء والضراء على ما وصفناه.