الآيات 69-70

وَمَن يُطِعِ اللّهَ وَالرَّسُولَ فَأُوْلَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللّهُ عَلَيْهِم مِّنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاء وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا ﴿69﴾ ذَلِكَ الْفَضْلُ مِنَ اللّهِ وَكَفَى بِاللّهِ عَلِيمًا ﴿70﴾

اللغة:

الصديق المداوم على التصديق بما يوجبه الحق وقيل الصديق الذي عادته الصدق وهذا البناء يكون لمن غلب على عادته فعل يقال لملازم السكر سكير ولملازم الشرب شريب والشهداء جمع شهيد وهو المقتول في سبيل الله وليست الشهادة في القتل الذي هو معصية لكنها حال المقتول في إخلاص القيام بالحق لله مقرا وداعيا إليه وهي من أسماء المدح ويجوز للمرء أن يتمناها ولا يجوز أن يتمنى قتل الكافر إياه لأنه معصية وقيل الشهادة هي الصبر على ما أمر الله به من قتال عدوه فأما الصبر على الألم بترك الأنين فليس بواجب وليس الأنين بممنوع عنه بل هو مباح إذا لم يقل ما يكرهه الله تعالى والصالح من استقامت نفسه بحسن عمله والرفيق الصاحب وهو مشتق من الرفق في العمل وهو الارتفاق فيه ومنه المرافقة والمرفق والمرفق من اليد بكسر الميم لأنه يرتفق به وقوله ويهيىء لكم من أمركم مرفقا أي رفقا يصلح به أمركم والفضل في أصل اللغة هو الزيادة على المقدار وقد استعمل في النفع أيضا وأفعال الله تعالى كلها فضل وتفضل وإفضال لأنه لا يقتصر بالعبد على مقدار ما يستحق بمثل عمله فيما بين الناس بل هو يزيد عليه زيادات كثيرة ولا يجري ذلك على طريق المساواة.

الإعراب:

رفيقا نصب على التمييز ولذلك لم يجمع فكأنه قال حسن أولئك رفيقا وقيل أنه لم يجمع لأن المعنى حسن كل أحد منهم رفيقا كقوله سبحانه ثم نخرجكم طفلا وقال الشاعر:

نصبن الهوى ثم ارتمين قلوبنا

بأعين أعداء وهن صديق وقيل أنه نصب على الحال فإنه قد يدخل من في مثله فإذا أسقطت من فالحال هو الاختيار لأنه من الصفات الداخلة في أسماء الأجناس ويكون للتوحيد لما دخله من بمعنى حسن كل واحد منهم مرافقا ونظيره لله دره فارسا أي في حال الفروسية.

النزول:

قيل نزلت في ثوبان مولى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) وكان شديد الحب لرسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) قليل الصبر عنه فأتاه ذات يوم وقد تغير لونه ونحل جسمه فقال (صلى الله عليه وآله وسلّم) يا ثوبان ما غير لونك فقال يا رسول الله ما بي من مرض ولا وجع غير أني إذا لم أرك اشتقت إليك حتى ألقاك ثم ذكرت الآخر فأخاف أني لا أراك هناك لأني عرفت أنك ترفع مع النبيين وإني إن أدخلت الجنة كنت في منزلة أدنى من منزلتك وإن لم أدخل الجنة فذاك حتى لا أراك أبدا فنزلت الآية ثم قال (صلى الله عليه وآله وسلّم) والذي نفسي بيده لا يؤمنن عبد حتى أكون أحب إليه من نفسه وأبويه وأهله وولده والناس أجمعين وقيل إن أصحاب رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) قالوا ما ينبغي لنا أن نفارقك فإنا لا نراك إلا في الدنيا وأما في الآخرة فإنك ترفع فوقنا بفضلك فلا نراك فنزلت الآية عن قتادة ومسروق بن الأجدع.

المعنى:

ثم بين سبحانه حال المطيعين فقال ﴿ومن يطع الله﴾ بالانقياد لأمره ونهيه ﴿والرسول﴾ باتباع شريعته والرضا بحكمه ﴿فأولئك مع الذين أنعم الله عليهم﴾ في الجنة ثم بين المنعم عليهم فقال ﴿من النبيين والصديقين﴾ يريد أنه يستمتع برؤية النبيين والصديقين وزيارتهم والحضور معهم فلا ينبغي أن يتوهم من أجل أنهم في أعلى عليين أنه لا يراهم وقيل في معنى الصديق أنه المصدق بكل ما أمر الله به وبأنبيائه لا يدخله في ذلك شك ويؤيده قوله والذين آمنوا بالله ورسله أولئك هم الصديقون ﴿والشهداء﴾ يعني المقتولين في الجهاد وإنما سمي الشهيد شهيدا لقيامه بشهادة الحق على جهة الإخلاص وإقراره به ودعائه إليه حتى قتل وقيل إنما سمي شهيدا لأنه من شهداء الآخرة على الناس وإنما يستشهدهم الله بفضلهم وشرفهم فهم عدول الآخرة عن الجبائي وقال الشيخ أبو جعفر (رض) هذا لا يصح على مذهبه فعنده لا يجوز أن يدخل الجنة إلا من هو عدل والله سبحانه وتقدس وعد من يطيعه بأنه يحشره مع هؤلاء وينبغي أن يكون الموعود له غير الموعود بالكون معه إلا فيصير التقدير أنهم مع نفوسهم ﴿والصالحين﴾ معناه صلحاء المؤمنين الذين لم تبلغ درجتهم درجة النبيين والصديقين والشهداء والصالح الفاعل للصلاح الملازم له المتمسك به ويقال هو الذي صلحت حاله واستقامت طريقته والمصلح الفاعل لما فيه إصلاح ولذلك يجوز المصلح في صفات الله تعالى ولا يجوز الصالح وإنما يقال رجل صالح أو مصلح لأنه يصلح نفسه وعمله ﴿وحسن أولئك رفيقا﴾ معناه من يكون هؤلاء رفقاء له فأحسن بهم من رفيق أو فما أحسنهم من رفيق وقد مر معناه وإعرابه وروى أبو بصير عن أبي عبد الله (عليه السلام) أنه قال يا أبا محمد لقد ذكركم الله في كتابه ثم تلا هذه الآية وقال فالنبي رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) ونحن الصديقون والشهداء وأنتم الصالحون فتسموا بالصلاح كما سماكم الله تعالى ﴿ذلك﴾ إشارة إلى أن الكون مع النبيين والصديقين ﴿الفضل من الله﴾ تفضل به على من أطاعه ﴿وكفى بالله عليما﴾ بالعصاة والمطيعين والمنافقين والمخلصين ومن يصلح لمرافقة هؤلاء ومن لا يصلح لأنه يعلم خائنة الأعين وقيل معناه حسبك به علما بكيفية جزاء المطيعين على حقه وتوفير الحظ فيه.