الآيات 66-68

وَلَوْ أَنَّا كَتَبْنَا عَلَيْهِمْ أَنِ اقْتُلُواْ أَنفُسَكُمْ أَوِ اخْرُجُواْ مِن دِيَارِكُم مَّا فَعَلُوهُ إِلاَّ قَلِيلٌ مِّنْهُمْ وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُواْ مَا يُوعَظُونَ بِهِ لَكَانَ خَيْرًا لَّهُمْ وَأَشَدَّ تَثْبِيتًا ﴿66﴾ وَإِذاً لَّآتَيْنَاهُم مِّن لَّدُنَّا أَجْراً عَظِيمًا ﴿67﴾ وَلَهَدَيْنَاهُمْ صِرَاطًا مُّسْتَقِيمًا ﴿68﴾

القراءة:

قرأ ابن كثير ونافع وابن عامر والكسائي أن اقتلوا بضم النون أو أخرجوا بضم الواو وقرأ عاصم وحمزة بكسرهما وقرأ أبو عمرو بكسر النون وضم الواو وقرأ ابن عامر وحده إلا قليلا بالنصب وهو كذلك في مصاحف أهل الشام وقرأ الباقون بالرفع.

الحجة:

قال أبو علي أما فصل أبي عمرو بين الواو والنون فلأن الضم بالواو أحسن لأنها تشبه واو الضمير والجمهور في واو الضمير على الضم نحو لا تنسوا الفضل بينكم وقال وإنما ضمت النون لأنها مكان الهمزة التي ضمت لضم الحرف الثالث فجعلت بمنزلتها وإن كانت منفصلة وفي الواو هذا المعنى والمعنى الذي أشرنا إليه من مشابهته واو الضمير والضمة في سائر هذه أحسن لأنها في موضع الهمزة قال أبو الحسن وهي لغة حسنة وهي أكثر في الكلام وأقيس ووجه قول من كسر أن هذه الحروف منفصلة من الفعل المضموم الثالث والهمزة متصلة بها فلم يجروا المنفصل مجرى المتصل قال والوجه في قوله ﴿إلا﴾ قليل الرفع على البدل فكأنه قال ما فعله إلا قليل فإن معنى ما أتاني أحد إلا زيد وما أتاني إلا زيد واحد ومن نصبه فإنه جعل النفي بمنزلة الإيجاب فإن قولك ما أتاني أحد كلام تام كما أن جاءني القوم كذلك فنصب مع النفي كما نصب مع الإيجاب.

الإعراب:

لو يمتنع بها الشيء لامتناع غيره تقول لو أتاني زيد لأكرمته فالمعنى إن إكرامي امتنع لامتناع إتيان زيد فحقها أن يليها الفعل فالتقدير هنا لو وقع كتبنا عليهم ويجوز أن يكون أن الشديدة كما نابت عن الاسم والخبر في قولك حسبت أن زيدا عالم نابت هنا عن الفعل والاسم فيكون المعنى في قوله ﴿و لو أنا كتبنا عليهم﴾ كالمعنى في لو كتبنا عليهم.

وإذن دخلت هنا لتدل على معنى الجزاء ومعنى إذن جواب وجزاء وهي تقع متقدمة ومتوسطة ومتأخرة وإنما تعمل متقدمة خاصة إلا أن يكون الفعل بعدها للحال نحو إذن أظنك خارجا واللام في قوله ﴿لآتيناهم﴾ و﴿لهديناهم﴾ اللام التي تقع في جواب لو كما تقع في جواب القسم في قول امرؤ القيس:

حلفت لها بالله حلفة فاجر

لناموا فما إن من حديث ولا صال والفرق بين لام الجواب ولام الابتداء إن لام الابتداء لا تدخل إلا على الاسم المبتدأ إلا في باب إن خاصة فإنها تدخل على يفعل لمضارعته الاسم وتقول علمت إن زيدا ليقوم وعلمت أن زيدا ليقومن فتكسر إن الأولى لأن علمت صارت متعلقة باللام في ليقوم فإنها لام الابتداء أخرت إلى الخبر لئلا يجتمع حرفان متفقان في المعنى وتفتح أن الثانية لأنها لام الجواب فاعرفه فإنه من دقائق النحو وأسراره صراطا مفعول ثان لهديناهم.

المعنى:

ثم أخبر سبحانه عن سرائر القوم فقال ﴿ولو أنا كتبنا﴾ أي أوجبنا ﴿عليهم﴾ أي على هؤلاء الذين تقدم ذكرهم ﴿إن اقتلوا أنفسكم أو أخرجوا من دياركم﴾ كما أوجبنا على قوم موسى وألزمناهم ذلك فقتلوا أنفسهم وخرجوا إلى التيه ﴿ما فعلوه﴾ أي ما فعله هؤلاء للمشقة التي لا يتحملها إلا المخلصون ﴿إلا قليل منهم﴾ قيل إن القليل الذي استثنى الله هو ثابت بن قيس بن شماس وقيل هو جماعة من أصحاب رسول الله قالوا والله لو أمرنا لفعلنا فالحمد لله الذي عافانا ومنهم عبد الله بن مسعود وعمار بن ياسر فقال النبي إن من أمتي لرجالا الإيمان في قلوبهم أثبت من الجبال الرواسي ﴿ولو أنهم فعلوا ما يوعظون به﴾ أي ما يؤمرون به ﴿لكان﴾ ذلك ﴿خيرا لهم وأشد تثبيتا﴾ أي بصيرة في أمر الدين كنى عن البصيرة بهذا اللفظ لأن من كان على بصيرة من أمر دينه كان ذلك أدعى له إلى الثبات عليه وكان هو أقوى في اعتقاد الحق وأدوم عليه ممن لم يكن على بصيرة منه وقيل معناه أن قبولهم وعظ الله ووعظ رسوله في أمور الدين والدنيا أشد تثبيتا لهم على الحق والصواب وأمنع لهم من الضلال وأبعد من الشبهات كما قال ﴿والذين اهتدوا زادهم هدى﴾ وقيل إن معناه وأكثر انتفاعا بالحق لأن الانتفاع بالحق يدوم ولا يبطل لأنه يتصل بثواب الآخرة والانتفاع بالباطل يبطل ويضمحل ويتصل بعقاب الآخرة قال البلخي معنى الآية لو فرض عليهم القتل أو الخروج من الديار لم يفعلوا فإذا لم يفرض عليهم ذلك فليفعلوا ما أمروا به مما هو أسهل عليهم منه فإن ذلك خير لهم وأشد تثبيتا لهم على الإيمان وفي الدعاء اللهم ثبتنا على دينك ومعناه الطف لنا ما نثبت معه عليه ﴿وإذا لآتيناهم﴾ هذا متصل بما قبله أي ولو أنهم فعلوا ذلك لآتيناهم أي لأعطيناهم ﴿من لدنا﴾ أي من عندنا ﴿أجرا عظيما﴾ لا يبلغ أحد كنهه ولا يعرف منتهاه ولا يدرك قصواه وإنما ذكر من لدنا تأكيدا بأنه لا يقدر عليه غيره وليدل على الاختصاص فإن الأجر يجوز أن يصل إلى المثاب على يد بعض العباد فإذا وصل الثواب إليه بنفسه كان أشرف للعبد وأبلغ في النعمة ﴿ولهديناهم صراطا مستقيما﴾ أي ولثبتناهم مع ذلك على الطريق المستقيم وقيل معناه بما نفعله من الألطاف التي يثبتون معها على الطاعة ويلزمون الاستقامة وتقديره ووفقناهم للثبات على الصراط المستقيم وقيل معناه ولهديناهم في الآخرة إلى طريق الجنة عن أبي علي الجبائي قال ولا يجوز أن تكون الهداية هنا الإرشاد إلى الدين لأنه سبحانه وعد بها المؤمن المطيع ولا يكون كذلك إلا وقد اهتدى.