الآيات 56-57

إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ بِآيَاتِنَا سَوْفَ نُصْلِيهِمْ نَارًا كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَاهُمْ جُلُودًا غَيْرَهَا لِيَذُوقُواْ الْعَذَابَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَزِيزًا حَكِيمًا ﴿56﴾ وَالَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ سَنُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا لَّهُمْ فِيهَا أَزْوَاجٌ مُّطَهَّرَةٌ وَنُدْخِلُهُمْ ظِلاًّ ظَلِيلاً ﴿57﴾

اللغة:

يقال أصليته النار إذا ألقيته فيها وصليته صليا إذا شويته وشاة مصلية مشوية والصلاء الشواء وصلي فلان بشر فلان والتبديل التغيير يقال أبدلت الشيء بالشيء إذا أزلت عينا بعين كما قال الشاعر:

عزل الأمير بالأمير المبدل وبدلت بالتشديد إذا غيرت هيئته والعين واحدة يقولون بدلت جبتي قميصا أي جعلتها قميصا ذكره المغربي وقد يكون التبديل بأن يوضع غيره موضعه قال الله يوم تبدل الأرض غير الأرض والظل أصله الستر لأنه يستر من الشمس قال رؤبة كل موضع تكون فيه الشمس وتزول عنه فهو ظل وفيء وما سوى ذلك فظل ولا يقال فيه فيء والظل الليل كأنه كالستر من الشمس والظلة السترة والظليل الكنين.

المعنى:

لما تقدم ذكر المؤمن والكافر عقبه بذكر الوعد والوعيد على الإيمان والكفر فقال ﴿إن الذين كفروا ب آياتنا﴾ أي جحدوا حججنا وكذبوا أنبياءنا ودفعوا الآيات الدالة على توحدنا وصدق نبينا ﴿سوف نصليهم نارا﴾ أي نلزمهم نارا نحرقهم فيها ونعذبهم بها ودخلت سوف لتدل على أنه يفعل ذلك بهم في المستقبل ﴿كلما نضجت جلودهم بدلناهم جلودا غيرها﴾ قيل فيه أقوال (أحدها) إن الله تعالى يجدد لهم جلودا غير الجلود التي احترقت على ظاهر القرآن في أنها غيرها عن قتادة وجماعة من أهل التفسير واختاره علي بن عيسى ومن قال على هذا أن هذا الجلد المجدد لم يذنب فكيف يعذب من لا يستحق العذاب فجوابه أن المعذب الحي ولا اعتبار بالأطراف والجلود وقال علي بن عيسى إن ما يزاد لا يؤلم ولا هو بعض لما يؤلم وإنما هو شيء يصل به الألم إلى المستحق له (وثانيها) إن الله يجددها بأن يردها إلى الحالة التي كانت عليها غير محترقة كما يقال جئتني بغير ذلك الوجه إذا كان قد تغير وجهه من الحالة الأولى كما إذا انكسر خاتم فاتخذ منه خاتما آخر يقال هذا غير الخاتم الأول وإن كان أصلهما واحدا فعلى هذا يكون الجلد واحدا وإنما تتغير الأحوال عليه وهو اختيار الزجاج والبلخي وأبي علي الجبائي (وثالثها) إن التبديل إنما هو للسرابيل التي ذكرها الله تعالى سرابيلهم من قطران وسميت السرابيل الجلود على سبيل المجاورة للزومها الجلود وهذا ترك للظاهر بغير دليل وعلى القولين الأخيرين لا يلزم سؤال التعذيب لغير العاصي فأما من قال إن الإنسان غير هذه الجملة المشاهدة وأنه المعذب في الحقيقة فقد تخلص من هذا السؤال وقوله ﴿ليذوقوا العذاب﴾ معناه ليجدوا ألم العذاب وإنما قال ذلك ليبين أنهم كالمبتدأ عليهم العذاب في كل حالة فيحسون في كل حالة ألما لكن لا كمن يستمر به الشيء فإنه يصير أخف عليه ﴿إن الله كان عزيزا﴾ أي لم يزل منيعا لا يدافع ولا يمانع وقيل معناه أنه قادر لا يمتنع عليه إنجاز ما توعد به أو وعده ﴿حكيما﴾ في تدبيره وتقديره وفي تعذيب من يعذبه وروى الكلبي عن الحسن قال بلغنا أن جلودهم تنضج كل يوم سبعين ألف مرة ﴿والذين آمنوا﴾ بكل ما يجب الإيمان به ﴿و ملوا الصالحات﴾ أي الطاعات الصالحة الخالصة ﴿سندخلهم جنات تجري من تحتها الأنهار﴾ أي من تحت أشجارها وقصورها الأنهار أي ماء الأنهار ﴿خالدين فيها﴾ أي دائمين فيها ﴿أبدا لهم فيها أزواج مطهرة﴾ طهرن من الحيض والنفاس ومن جميع المعائب والأدناس والأخلاق الدنية والطبائع الردية لا يفعلن ما يوحش أزواجهن ولا يوجد فيهن ما ينفر عنهن ﴿وندخلهم﴾ في ذلك ﴿ظلا ظليلا﴾ أي كنينا ليس فيه حر ولا برد بخلاف ظل الدنيا وقيل ظلا دائما لا تنسخه الشمس كما في الدنيا وقيل ظلا متمكنا قويا كما يقال يوم أيوم وليل أليل وداهية دهياء يصفون الشيء بمثل لفظه إذا أرادوا المبالغة.