الآيـة 168

يَا أَيُّهَا النَّاسُ كُلُواْ مِمَّا فِي الأَرْضِ حَلاَلاً طَيِّباً وَلاَ تَتَّبِعُواْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ ﴿168﴾

القراءة:

قرأ نافع وأبو عمرو وحمزة وأبو بكر إلا البرجمي خطوات بسكون الطاء حيث وقع والباقون بضمها وروي في الشواذ عن علي (عليه السلام) خطؤات بضمتين وهمزة وعن أبي السماك خطوات بفتح الخاء والطاء.

الحجة:

ما كان على فعلة من الأسماء فالأصل في جمعه التثقيل نحو غرفة وغرفات وحجرة وحجرات لأن التحريك فاصل بين الاسم والصفة ومن أسكنه قال خطوات فإنه نوى الضمة وأسكن الكلمة عنها طلبا للخفة ومن ضم الخاء والطاء مع الهمزة فكأنه ذهب بها مذهب الخطيئة فجعل ذلك على مثال فعله من الخطإ هذا قول الأخفش وقال أبو حاتم أرادوا إشباع الفتحة في الواو فانقلبت همزة ومن فتح الخاء والطاء فهو جمع خطوة فيكون مثل تمرة وتمرات.

اللغة:

الأكل هو البلع عن مضغ وبلع الذهب واللؤلؤ وما أشبهه ليس بأكل في الحقيقة وقد قيل النعام تأكل الجمر فأجروه مجرى أكل الطعام والحلال هو الجائز من أفعال العباد ونظيره المباح وأصله الحل نقيض العقد وإنما سمي المباح حلالا لانحلال عقد الحظر عنه ولا يسمى كل حسن حلالا لأنه أفعاله تعالى حسنة ولا يقال إنها حلال إذ الحلال إطلاق في الفعل لمن يجوز عليه المنع يقال حل يحل حلالا وحل يحل حلولا وحل العقد يحله حلا وأحل من إحرامه وحل فهو محل وحلال وحلت عليه العقوبة وجبت والطيب هو الخالص من شائب ينغص وهو على ثلاثة أقسام الطيب المستلذ والطيب الجائز والطيب الطاهر والأصل هو المستلذ إلا أنه وصف به الطاهر والجائز تشبيها إذ ما يزجر عنه العقل أو الشرع كالذي تكرهه النفس في الصرف عنه وما تدعو إليه بخلاف ذلك والطيب الحلال والطيب النظيف وأصل الباب الطيب خلاف الخبيث والخطوة بعد ما بين قدمي الماشي والخطوة المرة من الخطو يقال خطوت خطوة واحدة وجمع الخطوة خطى وأصل الخطو نقل القدم و﴿خطوات الشيطان﴾ آثاره والعدو المباعد عن الخير إلى الشر والولي نقيضه.

الإعراب:

حلالا صفة مصدر محذوف أي كلوا شيئا حلالا ومن في قوله ﴿مما في الأرض﴾ يتعلق بكلوا أو بمحذوف يكون معه في محل النصب على الحال والعامل فيه كلوا وذو الحال قوله ﴿حلالا﴾ وقوله ﴿طيبا﴾ صفة بعد صفة.

النزول:

عن ابن عباس إنها نزلت في ثقيف وخزاعة وبني عامر بن صعصعة وبني مدلج لما حرموا على أنفسهم من الحرث والأنعام والبحيرة والسائبة والوصيلة فنهاهم الله عن ذلك.

المعنى:

لما قدم سبحانه ذكر التوحيد وأهله والشرك وأهله أتبع ذلك بذكر ما تتابع منه سبحانه على الفريقين من النعم والإحسان ثم نهاهم عن اتباع الشيطان لما في ذلك من الجحود لنعمه والكفران فقال ﴿يا أيها الناس﴾ وهذا الخطاب عام لجميع المكلفين من بني آدم ﴿كلوا﴾ لفظه لفظ الأمر ومعناه الإباحة ﴿مما في الأرض حلالا طيبا﴾ لما أباح الأكل بين ما يجب أن يكون عليه من الصفة لأن في المأكول ما يحرم وفيه ما يحل فالحرام يعقب الهلكة والحلال يقوي على العبادة وإنما يكون حلالا بأن لا يكون مما تناوله الحظر ولا يكون لغير الآكل فيه حق وهو يتناول جميع المحللات وأما الطيب فقيل هو الحلال أيضا فجمع بينهما لاختلاف اللفظين تأكيدا وقيل معناه ما يستطيبونه ويستلذونه في العاجل والآجل ﴿ولا تتبعوا خطوات الشيطان﴾ اختلف في معناه فقيل أعماله عن ابن عباس وقيل خطاياه عن مجاهد وقتادة وقيل طاعتكم إياه عن السدي وقيل آثاره عن الخليل وروي عن أبي جعفر وأبي عبد الله (عليه السلام) أن من خطوات الشيطان الحلف بالطلاق والنذور في المعاصي وكل يمين بغير الله تعالى وقال القاضي يريد وساوس الشيطان وخواطره وقال الماوردي هو ما ينقلهم به من معصية إلى معصية حتى يستوعبوا جميع المعاصي مأخوذ من خطو القدم في نقلها من مكان إلى مكان حتى يبلغ مقصده ﴿إنه لكم عدو مبين﴾ أي مظهر للعداوة بما يدعوكم إليه من خلاف الطاعة لله تعالى واختلف الناس في المأكل والمنافع التي لا ضرر على أحد فيها فمنهم من ذهب إلى أنها الحظر ومنهم من ذهب إلى أنها على الإباحة واختاره المرتضى قدس الله روحه ومنهم من وقف بين الأمرين وجوز كل واحد منهما وهذه الآية دالة على إباحة المأكل إلا ما دل الدليل على حظره فجاءت مؤكدة لما في العقل.