الآية- 34

الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاء بِمَا فَضَّلَ اللّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنفَقُواْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِّلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللّهُ وَاللاَّتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلاَ تَبْغُواْ عَلَيْهِنَّ سَبِيلاً إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلِيًّا كَبِيرًا ﴿34﴾

القراءة:

قرأ أبو جعفر وحده بما حفظ الله بالنصب والباقون بالرفع وقرىء في الشواذ فالصوالح قوانت قرأه طلحة بن مصرف.

الحجة:

قوله حفظ الله يكون على حذف المضاف كأنه قال حفظ عهد الله أو دين الله كقوله تعالى ﴿إن تنصروا الله﴾ أي تنصروا دين الله وحذف المضاف كثير في الكلام والوجه في قراءة من قرأ فالصوالح قوانت أن جمع التكسير يدل على الكثرة والألف والتاء موضوعتان للقلة فهما على حد التثنية بمنزلة الزيدين من الواحد فيكون من الثلاث إلى العشرة والكثرة أليق بهذا الموضع غير أن الألف والتاء قد جاء أيضا على معنى الكثرة كقوله المسلمين والمسلمات إلى قوله والذاكرين الله كثيرا والذاكرات والغرض في الجميع الكثرة لا ما هو لما بين الثلاثة إلى العشرة وقال ابن جني كان أبو علي الفارسي ينكر الحكاية المروية عن النابغة وقد عرض عليه حسان شعره وأنه لما صار إلى قوله:

لنا الجفنات الغر يلمعن بالضحى

وأسيافنا يقطرن من نجدة دما

قال له النابغة لقد قللت جفانك وسيوفك وهذا خبر مجهول لا أصل له لأن الله تعالى يقول وهم في الغرفات آمنون ولا يجوز أن يكون الغرف التي في الجنة من الثلاث إلى العشرة.

اللغة:

يقال رجل قيم وقيام وقوام وهذا البناء للمبالغة والتكثير وأصل القنوت دوام الطاعة ومنه القنوت في الوتر لطول القيام فيه وأصل النشوز الترفع على الزوج بخلافه مأخوذ من قولهم فلان على نشز من الأرض أي ارتفاع يقال نشزت المرأة تنشز وتنشز والهجر الترك عن قلى يقال هجرت الرجل إذا تركت كلامه عن قلى والهاجرة نصف النهار لأنه وقت يهجر فيه العمل وهجر الرجل البعير إذا ربطه بالهجار وأصل الضجوع الاستلقاء يقال ضجع ضجوعا واضطجع اضطجاعا إذا استلقى للنوم وأضجعته أنا ، وكل شيء أملته فقد أضجعته والبغية الطلب يقال بغيت الضالة إذا طلبتها وقال الشاعر يصف الموت:

بغاك وما تبغيه حتى وجدته

كأنك قد واعدته أمس موعدا

الإعراب:

الباء في قوله ﴿بما فضل الله﴾ ﴿و بما أنفقوا﴾ يتعلق بقوله ﴿قوامون﴾ وما في الموضعين مصدرية لا تحتاج إلى عائد إليها من صلتها لأنها حرف وقوله ﴿بما حفظ الله﴾ أيضا يكون ما فيه مصدرية فيكون تقديره بأن يحفظهن الله ومن قرأ ﴿بما حفظ الله﴾ نصبا يكون ما اسما موصولا فيكون التقدير بالشيء الذي يحفظ الله أي يحفظ أمر الله.

النزول:

قال مقاتل نزلت الآية في سعد بن الربيع بن عمرو وكان من النقباء وفي امرأته حبيبة بنت زيد بن أبي زهير وهما من الأنصار وذلك أنها نشزت عليه فلطمها فانطلق أبوها معها إلى النبي فقال أفرشته كريمتي فلطمها فقال النبي لتقتص من زوجها فانصرفت مع أبيها لتقتص منه فقال النبي ارجعوا فهذا جبرائيل أتاني وأنزل الله هذه الآية فقال النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) (أردنا أمرا وأراد الله أمرا) والذي أراد الله خير ورفع القصاص وقال الكلبي نزلت في سعد بن الربيع وامرأته خولة بنت محمد بن مسلمة وذكر القصة نحوها وقال أبو روق نزلت في جميلة بنت عبد الله بن أبي وفي زوجها ثابت بن قيس بن شماس وذكر قريبا منه.

المعنى:

لما بين تعالى فضل الرجال على النساء ذكر عقيبه فضلهم في القيام بأمر النساء فقال ﴿الرجال قوامون على النساء﴾ أي قيمون على النساء مسلطون عليهن في التدبير والتأديب والرياضة والتعليم ﴿بما فضل الله بعضهم على بعض﴾ هذا بيان سبب تولية الرجال عليهن أي إنما ولاهم الله أمرهن لما لهم من زيادة الفضل عليهن بالعلم والعقل وحسن الرأي والعزم ﴿وبما أنفقوا من أموالهم﴾ عليهن من المهر والنفقة كل ذلك بيان علة تقويمهم عليهن وتوليتهم أمرهن ﴿فالصالحات قانتات﴾ أي مطيعات لله ولأزواجهن عن قتادة والثوري وعطاء ويقال حافظات ويدل عليه قوله يا مريم اقنتي لربك أي أقيمي على طاعته ﴿حافظات للغيب﴾ يعني لأنفسهن وفروجهن في حال غيبة أزواجهن عن قتادة وعطاء والثوري ويقال الحافظات لأموال أزواجهن في حال غيبتهم راعيات بحقوقهم وحرمتهم والأولى أن يحمل على الأمرين لأنه لا تنافي بينهما ﴿بما حفظ الله﴾ أي بما حفظهن الله في مهورهن وإلزام أزواجهن النفقة عليهن عن الزجاج وقيل بحفظ الله لهن وعصمته ولو لا أن حفظهن الله وعصمهن لما حفظن أزواجهن بالغيب ﴿واللاتي تخافون نشوزهن﴾ معناه فالنساء اللاتي تخافون نشوزهن بظهور أسبابه وأماراته ونشوز المرأة عصيانها لزوجها واستيلاؤها عليه ومخالفتها إياه وقال الفراء معناه تعلمون نشوزهن قال وقد يكون الخوف بمعنى العلم لأن خوف النشز العلم بموقعه ﴿فعظوهن واهجروهن في المضاجع﴾ معناه فعظوهن أولا بالقول والنصيحة فإن لم ينجع الوعظ ولم يؤثر النصح بالقول فاهجروهن في المضاجع عن سعيد بن جبير قال وعنى به الجماع إلا أنه ذكر المضاجع لاختصاص الجماع بها وقيل معناه فاهجروهن في الفراش والمبيت وذلك أنه يظهر بذلك حبها للزوج وبغضها له فإن كانت مائلة إليه لم تصبر على فراقه في المضجع وإن كانت بخلاف ذلك صبرت عنه عن الحسن وقتادة وعطاء وإلى هذا المعنى يؤول ما روي عن أبي جعفر قال يحول ظهره إليها وفي تفسير الكلبي عن ابن عباس فعظوهن بكتاب الله أولا وذلك أن يقول اتقي الله وارجعي إلى طاعتي فإن رجعت وإلا أغلظ لها القول فإن رجعت وإلا ضربها ضربا غير مبرح وقيل في معنى غير المبرح أن لا يقطع لحما ولا يكسر عظما وروي عن أبي جعفر أنه الضرب بالسواك ﴿فإن أطعنكم﴾ أي رجعن إلى طاعتكم في الائتمار لأمركم ﴿فلا تبغوا عليهن سبيلا﴾ أي لا تطلبوا عليهن عللا بالباطل وقيل سبيلا للضرب والهجران مما أبيح لكم فعله عند النشوز عن أبي مسلم وأبي علي الجبائي وقيل معناه لا تكلفوهن الحب عن سفيان بن عيينة فيكون المعنى إذا استقام لكم ظاهرهن فلا تعللوا عليهن بما في باطنهن ﴿إن الله كان عليا كبيرا﴾ أي متعاليا عن أن يكلف إلا الحق مقدار الطاقة.

والعلو والكبرياء من صفات الله وفائدة ذكرهما هنا بيان انتصاره لهن وقوته على الانتصار إن هن ضعفن عنه وقيل المراد به أنه تعالى مع علوه وكبريائه لم يكلفكم إلا ما تطيقون فكذلك لا تكلفوهن إلا ما يطقن.