الآية- 32

وَلاَ تَتَمَنَّوْاْ مَا فَضَّلَ اللّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ لِّلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِّمَّا اكْتَسَبُواْ وَلِلنِّسَاء نَصِيبٌ مِّمَّا اكْتَسَبْنَ وَاسْأَلُواْ اللّهَ مِن فَضْلِهِ إِنَّ اللّهَ كَانَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا ﴿32﴾

القراءة:

قرأ ابن كثير والكسائي وسلوا الله بغير همز وكذلك كل ما كان أمرا للمواجه في كل القرآن والباقون بالهمز ولم يختلفوا في وليسألوا ما أنفقوا أنه مهموز.

الحجة:

قال أبو علي الهمز وترك الهمز حسنان فلو خفف الهمزة في قوله ﴿وليسألوا﴾ لكان أيضا حسنا.

اللغة:

التمني هو قول القائل لما لم يكن ليته كان كذا وليته لم يكن كذا لما كان وقال أبو هاشم في بعض كلامه التمني معنى في القلب ومن قال بذلك قال ليس هو من قبيل الشهوة ولا من قبيل الإرادة لأن الإرادة لا تتعلق إلا بما يصح حدوثه والشهوة لا تتعلق بما مضى كالإرادة والتمني قد يتعلق بما مضى وأهل اللغة ذكروا التمني في أقسام الكلام.

النزول:

قيل جاءت وافدة النساء إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) فقالت يا رسول الله أ ليس الله رب الرجال والنساء وأنت رسول الله إليهم جميعا فما بالنا يذكر الله الرجال ولا يذكرنا نخشى أن لا يكون فينا خير ولا لله فينا حاجة فنزلت هذه الآية وقيل إن أم سلمة قالت يا رسول الله يغزو الرجال ولا تغزو النساء وإنما لنا نصف الميراث فليتنا رجال فنغزو ونبلغ ما يبلغ الرجال فنزلت الآية عن مجاهد وقيل لما نزلت آية المواريث قال الرجال نرجو أن نفضل على النساء بحسناتنا في الآخرة كما فضلنا عليهن في الميراث فيكون أجرنا على الضعف من أجر النساء وقالت النساء إنا نرجو أن يكون الوزر علينا نصف ما على الرجال في الآخرة كما لنا الميراث على النصف من نصيبهم في الدنيا فنزلت الآية عن قتادة والسدي.

المعنى:

لما بين سبحانه حكم الميراث وفضل بعضهم على بعض في ذلك ذكر تحريم التمني الذي هو سبب التباغض فقال ﴿ولا تتمنوا ما فضل الله به بعضكم على بعض﴾ أي لا يقل أحدكم ليت ما أعطي فلان من المال والنعمة والمرأة الحسناء كان لي فإن ذلك يكون حسدا ولكن يجوز أن يقول اللهم أعطني مثله عن ابن عباس وهو المروي عن أبي عبد الله (عليه السلام) وقيل إن المعنى لا يجوز للرجل أن يتمنى إن لو كان امرأة ولا للمرأة أن تتمنى إن لو كانت رجلا لأن الله لا يفعل إلا ما هو الأصلح فيكون قد تمنى ما ليس بأصلح أو ما يكون مفسدة عن البلخي ويمكن أن يقال في ذلك أنه يجوز ذلك بشرط أن لا يكون مفسدة كما يقوله في حسن السؤال سواء ﴿للرجال نصيب مما اكتسبوا وللنساء نصيب مما اكتسبن﴾ قيل فيه وجوه (أحدها) إن المعنى لكل حظ من الثواب على حسب ما كلفه الله من الطاعات بحسن تدبيره فلا تتمنوا خلاف هذا التدبير لما فيه من حرمان الحظ الجزيل عن قتادة (وثانيها) إن لكل فريق من الرجال والنساء نصيبا مما اكتسب من نعيم الدنيا بالتجارات والزراعات وغير ذلك من أنواع المكاسب فينبغي أن يقنع كل منهم ويرضى بما قسم الله له (وثالثها) إن لكل منهما نصيبا من الميراث على ما قسمه الله عن ابن عباس فالاكتساب على هذا القول بمعنى الإصابة والإحراز ﴿وسألوا الله من فضله﴾ معناه إن احتجتم إلى ما لغيركم وأعجبكم أن يكون لكم مثل ما له فاسألوا الله أن يعطيكم مثل ذلك من فضله بشرط أن لا يكون فيه مفسدة لكم ولا لغيركم لأن المسألة لا تحسبن إلا كذلك وجاء في الحديث عن ابن مسعود عن النبي قال سلوا الله من فضله فإنه يحب أن يسأل وأفضل العبادة انتظار الفرج وقال سفيان بن عيينة لم يأمرنا بالمسالة إلا ليعطي ﴿إن الله كان بكل شيء عليما﴾ معناه أن الله عليم بكل شيء ولم يزل كذلك فيعلم ما تظهرونه وما تضمرونه من الحسد ويقسم الأرزاق بين العباد على ما يعلم فيه من الصلاح والرشاد فلا يتمنى أحدكم ما قسم لغيره فإنه لا يحصل من تمنيه إلا الغم والإثم.