الآية- 23

حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ وَبَنَاتُكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ وَعَمَّاتُكُمْ وَخَالاَتُكُمْ وَبَنَاتُ الأَخِ وَبَنَاتُ الأُخْتِ وَأُمَّهَاتُكُمُ اللاَّتِي أَرْضَعْنَكُمْ وَأَخَوَاتُكُم مِّنَ الرَّضَاعَةِ وَأُمَّهَاتُ نِسَآئِكُمْ وَرَبَائِبُكُمُ اللاَّتِي فِي حُجُورِكُم مِّن نِّسَآئِكُمُ اللاَّتِي دَخَلْتُم بِهِنَّ فَإِن لَّمْ تَكُونُواْ دَخَلْتُم بِهِنَّ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ وَحَلاَئِلُ أَبْنَائِكُمُ الَّذِينَ مِنْ أَصْلاَبِكُمْ وَأَن تَجْمَعُواْ بَيْنَ الأُخْتَيْنِ إَلاَّ مَا قَدْ سَلَفَ إِنَّ اللّهَ كَانَ غَفُورًا رَّحِيمًا ﴿23﴾

اللغة:

الربائب جمع ربيبة وهي بنت زوجة الرجل من غيره سميت بذلك لتربيته إياها فهي في معنى مربوبة نحو قتيلة في موضع مقتولة ويجوز أن تسمى ربيبة سواء تولى تربيتها أو لم يتول وسواء كانت في حجره أو لم تكن لأنه إذا تزوج بأمها فهو رابها وهي ربيبته والعرب تسمي الفاعلين والمفعولين بما يقع بهم ويوقعونه يقولون هذا مقتول وإن لم يقتل بعد وهذا ذبيح وإن لم يذبح بعد إذا كان يراد ذبحه وقتله وكذلك يقولون هذا أضحية لما أعد للتضحية وهذه قتوبة وحلوبة أي هي مما تقتب وتحلب وقد يقال لزوج المرأة ربيب ابن امرأته بمعنى أنه رابه كما يقال شهيد وخبير بمعنى شاهد وخابر والحلائل جمع الحليلة وهي بمعنى المحللة مشتقة من الحلال والذكر حليل وجمعه أحلة كعزيز وأعزة سميا بذلك لأن كل واحد منهما يحل له مباشرة صاحبه وقيل هو من الحلول لأن كل واحد منهما يحال صاحبه أي يحل معه في الفراش.

المعنى:

ثم بين المحرمات من النساء فقال ﴿حرمت عليكم أمهاتكم﴾ لا بد فيه من محذوف لأن التحريم لا يتعلق بالأعيان وإنما يتعلق بأفعال المكلف ثم يختلف باختلاف ما أضيف إليه فإذا أضيف إلى مأكول نحو قوله حرمت عليكم الميتة والدم فالمراد الأكل وإذا أضيف إلى النساء فالمراد العقد فالتقدير حرم عليكم نكاح أمهاتكم فحذف المضاف وأقيم المضاف إليه مقامه لدلالة مفهوم الكلام عليه وكل امرأة رجع نسبك إليها بالولادة من جهة أبيك أو من جهة أمك بإناث رجعت إليها أو بذكور فهي أمك ﴿وبناتكم﴾ أي ونكاح بناتكم وكل امرأة رجع نسبها إليك بالولادة بدرجة أو درجات بإناث رجع نسبها إليك بذكور فهي بنتك ﴿وأخواتكم﴾ هي جمع الأخت وكل أنثى ولدها شخص ولدك في الدرجة الأولى فهي أختك ﴿وعماتكم﴾ هي جمع العمة وكل ذكر رجع نسبك إليه فأخته عمتك وقد تكون العمة من جهة الأم مثل أخت أبي أمك وأخت جد أمك فصاعدا ﴿وخالاتكم﴾ وهي جمع الخالة وكل أنثى رجع نسبها إليها بالولادة فأختها خالتك وقد تكون الخالة من جهة الأب مثل أخت أم أبيك أو أخت جدة أبيك فصاعدا وإذا خاطب تعالى المكلفين بلفظ الجمع كقوله ﴿حرمت عليكم﴾ ثم أضاف المحرمات بعده إليهم للفظ الجمع فالآحاد تقع بإزاء الآحاد فكأنه قال حرم على كل واحد منكم نكاح أمه ومن يقع عليها اسم الأم ونكاح بنته ومن يقع عليها اسم البنت وكذلك الجميع ﴿وبنات الأخ وبنات الأخت﴾ فهذا أيضا على ما ذكرناه جمع بإزاء جمع فيقع الآحاد بإزاء الآحاد والتحديد في هؤلاء كالتحديد في بنات الصلب وهؤلاء السبع هن المحرمات بالنسب وقد صح عن ابن عباس أنه قال حرم الله من النساء سبعا بالسبب وتلا الآية ثم قال والسابعة ولا تنكحوا ما نكح آباؤكم من النساء ثم ذكر سبحانه المحرمات بالسبب فقال ﴿وأمهاتكم اللاتي أرضعنكم﴾ سماهن أمهات للحرمة وكل أنثى انتسبت إليها باللبن فهي أمك فالتي أرضعتك أو أرضعت امرأة أرضعتك أو رجلا أرضعت بلبانه من زوجته أو أم ولد له فهي أمك من الرضاعة وكذلك كل امرأة ولدت امرأة أرضعتك أو رجلا أرضعك فهي أمك من الرضاعة ﴿وأخواتكم من الرضاعة﴾ يعني بنات المرضعة وهن ثلاث الصغيرة الأجنبية التي أرضعتها أمك بلبان أبيك سواء أرضعتها معك أو مع ولدها قبلك أو بعدك والثانية أختك لأمك دون أبيك وهي التي أرضعتها أمك بلبان غير أبيك والثالثة أختك لأبيك دون أمك وهي التي أرضعتها زوجة أبيك بلبن أبيك وأم الرضاعة وأخت الرضاعة لو لا الرضاعة لم تحرما فإن الرضاعة سبب تحريمهما وكل من تحرم بالنسب من اللاتي مضى ذكرهن تحرم أمثالهن بالرضاع لقول النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) إن الله حرم من الرضاعة ما حرم من النسب فثبت بهذا الخبر أن السبع من المحرمات بالنسب على التفصيل الذي ذكره محرمات بالرضاع والكلام في الرضاع يشتمل على ثلاثة فصول (أحدها) مدة الرضاع وقد اختلف فيها فقال أكثر أهل العلم لا يحرم إلا ما كان في مدة الحولين وهو مذهب أصحابنا وبه قال الشافعي وأبو يوسف ومحمد وقال أبو حنيفة مدة الرضاع حولان ونصف وقال مالك حولان وشهر واتفقوا على أن رضاع الكبير لا يحرم (وثانيها) قدر الرضاع وقد اختلف فيه أيضا فقال أبو حنيفة إن قليله وكثيره يحرم وروي ذلك عن ابن عمر وابن عباس وهو مذهب مالك والأوزاعي وقال الشافعي إنما يحرم خمس رضعات وبه قالت عائشة وسعيد بن جبير وقال أصحابنا لا يحرم إلا ما أنبت اللحم وشد العظم وإنما يعتبر ذلك برضاع يوم وليلة لا يفصل بينه برضاع امرأة أخرى أو بخمس عشرة رضعة متواليات لا يفصل بينها برضاع امرأة أخرى وقال بعض أصحابنا المحرم عشر رضعات متواليات (وثالثها) كيفية الرضاع فعند أصحابنا لا يحرم إلا ما وصل إلى الجوف من الثدي في المجرى المعتاد الذي هو الفم فأما ما يوجر أو يسعط أو يحقن به فلا يحرم بحال ولبن الميتة لا حرمة له في التحريم وفي جميع ذلك خلاف وقوله ﴿وأمهات نسائكم﴾ أي حرم عليكم نكاحهن وهذا يتضمن تحريم نكاح أمهات الزوجات وجداتهن قربن أو بعدن من أي وجه كن سواء كن من النسب أو من الرضاع وهن يحرمن بنفس العقد على البنت سواء دخل بالبنت أو لم يدخل لأن الله تعالى أطلق التحريم ولم يقيده بالدخول ﴿وربائبكم﴾ يعني بنات نسائكم من غيركم ﴿اللاتي في حجوركم﴾ وهو جمع حجر الإنسان والمعنى في ضمانكم وتربيتكم ويقال فلان في حجر فلان أي في تربيته ولا خلاف بين العلماء أن كونهن في حجره ليس بشرط في التحريم وإنما ذكر ذلك لأن الغالب أنها تكون كذلك وهذا يقتضي تحريم بنت المرأة من غير زوجها على زوجها وتحريم بنت ابنها وبنت بنتها قربت أم بعدت لوقوع اسم الربيبة عليهن ﴿من نسائكم اللاتي دخلتم بهن﴾ وهذه نعت لأمهات الربائب لا غير لحصول الإجماع على أن الربيبة تحل إذا لم يدخل بأمها قال المبرد واللاتي دخلتم بهن نعت للنساء اللواتي هن أمهات الربائب لا غير والدليل على ذلك إجماع الناس على أن الربيبة تحل إذا لم يدخل بأمها ومن أجاز أن يكون قوله ﴿من نسائكم اللاتي دخلتم بهن﴾ هو لأمهات نسائكم فيكون المعنى وأمهات نسائكم من نسائكم اللاتي دخلتم بهن ويخرج أن يكون اللاتي دخلتم بهن لأمهات الربائب قال الزجاج والدليل على صحة ذلك أن الخبرين إذا اختلفا لم يكن نعتهما واحدا لا يجيز النحويون مررت بنسائك وهربت من نساء زيد الظريفات على أن تكون الظريفات نعتا لهؤلاء النساء وهؤلاء النساء وروى العياشي في تفسيره بإسناده عن إسحاق بن عمار عن جعفر بن محمد عن أبيه (عليه السلام) قال إن عليا كان يقول الربائب عليكم حرام من الأمهات اللاتي قد دخلتم بهن كن في الحجور أو في غير الحجور والأمهات مبهمات دخل بالبنات أو لم يدخل بهن فحرموا ما حرم الله وأبهموا ما أبهم الله واختلف في معنى الدخول على قولين (أحدهما) أن المراد به الجماع عن ابن عباس (والآخر) أنه الجماع وما يجري مجراه من المسيس والتجريد عن عطاء وهو مذهبنا وفي ذلك خلاف بين الفقهاء ﴿فإن لم تكونوا دخلتم بهن﴾ يعني بأم الربيبة ﴿فلا جناح عليكم﴾ أي لا إثم عليكم في نكاح بناتهن إذا طلقتموهن أو متن ﴿وحلائل أبنائكم الذين من أصلابكم﴾ أي وحرم عليكم نكاح أزواج أبنائكم ثم أزال الشبهة في أمر زوجة المتبني به فقال ﴿الذين من أصلابكم﴾ لئلا يظن أن زوجة المتبني به تحرم على المتبني وروي عن عطاء أن هذه نزلت حين نكح النبي امرأة زيد بن حارثة فقال المشركون في ذلك فنزل ﴿وحلائل أبنائكم الذين من أصلابكم﴾ وقوله وما جعل أدعياءكم أبناءكم وما كان محمد أبا أحد من رجالكم وأما حلائل الأبناء من الرضاعة فمحرمات أيضا بقوله إن الله حرم من الرضاعة ما حرم من النسب ﴿وأن تجمعوا بين الأختين﴾ أي وحرم عليكم الجمع بين الأختين لأن أن مع صلتها في حكم المصدر وهذا يقتضي تحريم الجمع بين الأختين في العقد على الحرائر وتحريم الجمع بينهما في الوطء بملك اليمين فإذا وطىء إحداهما فقد حرمت عليه الأخرى حتى تخرج تلك من ملكه وهو قول الحسن وأكثر المفسرين والفقهاء ﴿إلا ما قد سلف﴾ استثناء منقطع ومعناه لكن ما قد سلف لا يؤاخذكم الله به وليس المراد به أن ما قد سلف حال النهي يجوز استدامته بلا خلاف وقيل معناه إلا ما كان من يعقوب إذ جمع بين الأختين ليا أم يهوذا وراحيل أم يوسف عن عطاء والسدي ﴿إن الله كان غفورا رحيما﴾ لا يؤاخذكم الله بحكم ما قد سلف من هذه الأنكحة قبل نزول التحريم وكل ما حرم الله في هذه الآية فإنما هو على وجه التأبيد سواء كن مجتمعات أو متفرقات إلا الأختين فإنهما يحرمان على وجه الجمع دون الانفراد ويمكن أن يستدل بهذه الآية على أن هؤلاء المحرمات من ذوات الأنساب لا يصح أن تملك واحدة منهن لأن التحريم عام والمحرمات بالنسب أو السبب على وجه التأبيد يسمون مبهمات لأنهن يحرمن من جميع الجهات وهي مأخوذة من البهيم الذي لا يخالط معظم لونه لون آخر يقال فرس بهيم لا شية له ﴿إن الله كان غفورا﴾ يغفر الذنوب ﴿رحيما﴾ يرحم العباد المؤمنين.