الآية- 22

وَلاَ تَنكِحُواْ مَا نَكَحَ آبَاؤُكُم مِّنَ النِّسَاء إِلاَّ مَا قَدْ سَلَفَ إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَمَقْتًا وَسَاء سَبِيلاً ﴿22﴾

اللغة:

النكاح اسم يقع على العقد ومنه وأنكحوا الأيامى منكم ويقع على الوطء ومنه الزاني لا ينكح إلا زانية أو مشركة أي لا يطأ بالحرام إلا من يطاوعه ومنه ملعون من نكح يده وملعون من نكح بهيمة قال الشاعر:

كبكر تشهى لذيذ النكاح

وتفزع من صولة الناكح وأصله الجمع ومنه أنكحنا الفرا فسنرى والمقت بغض من أمر قبيح يرتكبه صاحبه يقال مقت الرجل إلى الناس مقاتة ومقته الناس يمقته مقتا فهو مقيت وممقوت ويقال أن ولد الرجل من امرأة أبيه كان يسمى المقتي ومنهم أشعث بن قيس وأبو معيط جد الوليد بن عقبة.

الإعراب:

﴿إلا ما قد سلف﴾ استثناء منقطع لأنه لا يجوز استثناء الماضي من المستقبل ونظيره لا تبع من مالي إلا ما بعت ولا تأكل إلا ما أكلت ومنه لا يذوقون فيها الموت إلا الموتة الأولى المعنى لكن ما قد سلف فلا جناح عليكم فيه وقال المبرد جاز أن يكون كان زائدة في قوله ﴿إنه كان فاحشة﴾ فالمعنى أنه فاحشة وأنشد في ذلك قول الشاعر:

فكيف إذا حللت بدار قوم

وجيران لنا كانوا كرام قال الزجاج هذا غلط منه لأنه لو كان زائدة لم يكن ينصب خبرها والدليل عليه البيت الذي أنشده:

وجيران لنا كانوا كرام ولم يقل كراما قال علي بن عيسى إنما دخلت ﴿كان﴾ ليدل على أن ذلك قبل تلك الحال فاحشة أيضا كما دخلت في قوله وكان الله غفورا رحيما وقوله ﴿وساء سبيلا﴾ أي بئس طريقا ذلك الطريق فسبيلا منصوب على التمييز وفاعل ساء مضمر يفسره الظاهر والمخصوص بالذم محذوف.

النزول:

قيل نزلت فيما كان يفعله أهل الجاهلية من نكاح امرأة الأب عن ابن عباس وقتادة وعكرمة وعطاء وقالوا تزوج صفوان بن أمية امرأة أبيه فاختة بنت الأسود بن المطلب وتزوج حصين بن أبي قيس امرأة أبيه كبيشة بنت معن وتزوج منظور بن ريان بن المطلب امرأة أبيه مليكة بنت خارجة قال أشعث بن سوار توفي أبو قيس وكان من صالحي الأنصار فخطب ابنه قيس امرأة أبيه فقالت إني أعدك ولدا وأنت من صالحي قومك ولكني آتي رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) فاستأمره فأتته فأخبرته فقال لها رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) ارجعي إلى بيتك فأنزل الله هذه الآية.

المعنى:

لما تقدم ذكر شرائط النكاح عقبه تعالى بذكر من تحل له من النساء ومن لا تحل فقال ﴿ولا تنكحوا ما نكح آباؤكم من النساء﴾ أي لا تتزوجوا ما تزوج آباؤكم وقيل ما وطأ آباؤكم من النساء حرم عليكم ما كان أهل الجاهلية يفعلونه من نكاح امرأة الأب عن ابن عباس وقتادة وعطاء وعكرمة وقيل أن تقديره لا تنكحوا نكاح آبائكم أي مثل نكاح آبائكم فيكون ﴿ما نكح﴾ بمنزلة المصدر وتكون ما حرفا موصولا فعلى هذا يكون النهي عن حلائل الآباء وكل نكاح كان لهم فاسد وهو اختيار الطبري وفي الوجه الأول يكون ما اسما موصولا يحتاج إلى عائد من صلته إليه قال الطبري أن الوجه الثاني أجود لأنه لو أراد حلائل الآباء لقال لا تنكحوا من نكح آباؤكم وقد أجيب عن ذلك بأنه يجوز أن يكون ذهب به مذهب الجنس كما يقول القائل لا تأخذ ما أخذ أبوك من الإماء فيذهب به مذهب الجنس ثم يفسره بمن ﴿إلا ما قد سلف﴾ فإنكم لا تؤاخذون به وقيل معناه إلا ما قد سلف فدعوه فهو جائز لكم قال البلخي وهذا خلاف الإجماع وما علم من دين رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) وقيل معناه لكن ما سلف فاجتنبوه ودعوه عن قطرب وقيل إنما استثني ما قد مضى ليعلم أنه لم يكن مباحا لهم ﴿إنه كان فاحشة﴾ أي زنا ﴿ومقتا﴾ أي بغضا يعني يورث بغض الله ويجوز أن يكون الهاء في إنه عائدا إلى النكاح بعد النهي فيكون معناه أن نكاح امرأة الأب فاحشة أي معصية محرمة قبيحة ويجوز أن يكون عائدا إلى النكاح الذي كان عليه أهل الجاهلية أي أنه كان فاحشة قبل هذا ولا يكون كذلك إلا وقد قامت عليكم الحجة بتحريمه من قبل الرسل والأول أقوى وهذا اختيار الجبائي قال وتكون السلامة مما قد سلف في الإقلاع منه بالتوبة والإبانة قال البلخي وليس كل نكاح حرمه الله يكون زنا لأن الزنا فعل مخصوص لا يجري على طريقة لازمة ولا سنة جارية ولذلك لا يقال للمشركين في الجاهلية أولاد زنا ولا لأولاد أهل الذمة والمعاهدين أولاد زنا إذ كان ذلك عقدا بينهم يتعارفونه وقوله ﴿وساء سبيلا﴾ أي بئس الطريق ذلك النكاح الفاسد وفي هذه الآية دلالة على أن كل من عقد عليها الأب من النساء تحرم على الابن دخل بها الأب أو لم يدخل وهذا إجماع فإن دخل بها الأب على وجه السفاح فهل تحرم على الابن ففيه خلاف وعموم الآية يقتضي أنه يحرم عليه لأن النكاح قد يعبر به عن الوطء وهو الأصل فيه كما يعبر به عن العقد فينبغي أن تحمل اللفظ في الآية على الأمرين وامرأة الأب وإن علا تحرم على الابن وإن سفل بلا خلاف.