الآيات 13-14

تِلْكَ حُدُودُ اللّهِ وَمَن يُطِعِ اللّهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ ﴿13﴾ وَمَن يَعْصِ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَارًا خَالِدًا فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُّهِينٌ ﴿14﴾

القراءة:

قرأ نافع وابن عامر ندخله بالنون في الموضعين والباقون بالياء.

الحجة:

من قرأ بالياء فلأن ذكر الله قد تقدم فحمل الكلام على الغيبة ومن قرأ بالنون عدل عن لفظ الغيبة إلى الإخبار عن الله بنون الكبرياء ويقوي ذلك قوله بل الله موليكم ثم قال سنلقي.

اللغة:

الحد الحاجز بين الشيئين وأصله المنع والفصل وحدود الدار تفصلها عن غيرها والفوز والفلاح نظائر.

الإعراب:

﴿خالدين فيها﴾ نصب على الحال قال الزجاج والتقدير يدخلهم مقدرين الخلود فيها والحال يستقبل بها تقول مررت برجل معه باز صائدا به غدا أي مقدرا الصيد به غدا وقوله ﴿خالدا فيها﴾ منصوب على أحد وجهين (أحدهما) الحال من الهاء في ﴿يدخله نارا﴾ والتقدير على ما ذكرناه (والآخر) أن يكون صفة لقوله ﴿نارا﴾ وهذا كما تقول زيد مررت بدار ساكن فيها فيكون على حذف الضمير من ساكن هو فيها لأن اسم الفاعل إذا جرى على غير من هو له لم يتضمن الضمير كما يتضمنه الفعل ولو قلت يسكن فيها يجب إبرازه فتقول زيد مررت بدار ساكن هو فيها.

المعنى:

لما فرض الله فرائض المواريث عقبها بذكر الوعد في الائتمار لها والوعيد على التعدي لحدودها فقال ﴿تلك حدود الله﴾ أي هذه التي بينت في أمر الفرائض وأمر اليتامى حدود الله أي الأمكنة التي لا ينبغي أن تتجاوز عن الزجاج واختلف في معنى الحدود على أقوال (أحدها) تلك شروط الله عن السدي (وثانيها) تلك طاعة الله عن ابن عباس (وثالثها) تلك تفصيلات الله لفرائضه وهو الأقوى فيكون المراد هذه القسمة التي قسمها الله لكم والفرائض التي فرضها الله لأحيائكم من أمواتكم فصول بين طاعة الله ومعصيته فإن معنى حدود الله حدود طاعة الله وإنما اختصر لوضوح معناه للمخاطبين ﴿ومن يطع الله ورسوله﴾ فيما أمر به من الأحكام وقيل فيما فرض له من فرائض المواريث ﴿يدخله جنات تجري من تحتها﴾ أي من تحت أشجارها وأبنيتها ﴿الأنهار﴾ أي ماء الأنهار حذف المضاف وأقيم المضاف إليه مقامه في الموضعين ﴿خالدين فيها﴾ أي دائمين فيها ﴿وذلك الفوز العظيم﴾ أي الفلاح العظيم وصفه بالعظيم ولم يبين بالإضافة إلى ما ذا والمراد أنه عظيم بالإضافة إلى منفعة الحيازة في التركة من حيث كان أمر الدنيا حقيرا بالإضافة إلى أمر الآخرة وإنما خص الله الطاعة في قسمة الميراث بالوعد مع أنه واجب في كل طاعة إذا فعلت لوجوبها أو لوجه وجوبها ليبين عن عظم موقع هذه الطاعة بالترغيب فيها والترهيب عن تجاوزها وتعديها ﴿ومن يعص الله ورسوله﴾ فيما بينه من الفرائض وغيرها ﴿ويتعد حدوده﴾ أي ويتجاوز ما حد له من الطاعات ﴿يدخله نارا خالدا﴾ أي دائما ﴿فيها وله عذاب مهين﴾ سماه مهينا لأن الله يفعله على وجه الإهانة كما أنه يثيب المؤمن على وجه الكرامة ومن استدل بهذه الآية على أن صاحب الكبيرة من أهل الصلاة مخلد في النار ومعاقب فيها لا محالة فقوله بعيد لأن قوله ﴿ويتعد حدوده﴾ يدل على أن المراد به من تعدى جميع حدود الله وهذه صفة الكفار ولأن صاحب الصغيرة بلا خلاف خارج عن عموم الآية وإن كان فاعلا للمعصية ومتعديا حدا من حدود الله وإذا جاز إخراجه بدليل جاز لغيره أن يخرج من عمومها من يشفع له النبي أو يتفضل الله عليه بالعفو بدليل آخر وأيضا فإن التائب لا بد من إخراجه من عموم الآية لقيام الدليل على وجوب قبول التوبة وكذلك يجب إخراج من يتفضل الله بإسقاط عقابه منها لقيام الدلالة على جواز وقوع التفضل بالعفو فإن جعلوا للآية دلالة على أن الله لا يختار العفو جاز لغيرهم أن يجعلها دلالة على أن العاصي لا يختار التوبة على أن في المفسرين من حمل الآية على من تعدى حدود الله وعصاه مستحلا لذلك ومن كان كذلك لا يكون إلا كافرا.