الآية- 5

وَلاَ تُؤْتُواْ السُّفَهَاء أَمْوَالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللّهُ لَكُمْ قِيَاماً وَارْزُقُوهُمْ فِيهَا وَاكْسُوهُمْ وَقُولُواْ لَهُمْ قَوْلاً مَّعْرُوفًا ﴿5﴾

القراءة:

قرأ نافع وابن عامر قيما بغير ألف والباقون ﴿قياما﴾ بالألف.

الحجة:

قال أبو الحسن في قيام ثلاث لغات قيام وقيم وقوام وهو الذي يقيمك قال لبيد:

أقتلك أم وحشية مسبوعة

خذلت وهادية الصوار قوامها

قال أبو علي ليس قول من قال إن القيم جمع قيمة بشيء إنما القيم بمعنى القيام وهو مصدر يدل عليه قوله دينا قيما فالقيمة التي هي معادلة الشيء ومقاومته لا مذهب له هاهنا إنما المعنى دينا دائما ثابتا لا ينسخ كما نسخت الشرائع التي قبله فيكون مصدر وصف الدين به ولا وجه للجمع هاهنا ولا للصفة لقلة مجيء هذا البناء في الصفة أ لا ترى أنه إنما جاء في قولهم قوم عدى ومكان سوى وفعل في المصادر كالشبع والرضا ونحوهما أوسع في الوصف فإذا كان كذلك حمل على الأكثر.

المعنى:

لما أمر تعالى فيما تقدم بدفع مال الأيتام إليهم عقبه بذكر من لا يجوز الدفع إليه منهم وقال ﴿ولا تؤتوا السفهاء﴾ أي لا تعطوا السفهاء ﴿أموالكم﴾ اختلف في المعني بالسفهاء على أقوال (أحدها) أنهم النساء والصبيان عن ابن عباس وسعيد بن جبير والحسن والضحاك وأبي مالك وقتادة ورواه أبو الجارود عن أبي جعفر (عليه السلام) قال ابن عباس إذا علم الرجل أن امرأته سفيهة مفسدة للمال وعلم أن ولده سفيه يفسد المال لم ينبغ له أن يسلطهما على ماله (وثانيها) أن المراد به النساء خاصة عن مجاهد وابن عمر وروي عن أنس ابن مالك قال جاءت امرأة سوداء جرية المنطق ذات ملح إلى رسول الله فقالت بأبي أنت وأمي يا رسول الله قل فينا خيرا مرة واحدة فإنه بلغني أنك تقول فينا كل شر قال أي شيء قلت لكن قالت سميتنا السفهاء قال الله سماكن السفهاء في كتابه قالت وسميتنا النواقص فقال وكفى نقصانا أن تدعن من كل شهر خمسة أيام لا تصلين فيها ثم قال أما يكفي إحداكن أنها إذا حملت كان لها كأجر المرابط في سبيل الله فإذا وضعت كانت كالمتشحط بدمه في سبيل الله فإذا أرضعت كان لها بكل جرعة كعتق رقبة من ولد إسماعيل فإذا سهرت كان لها بكل سهرة تسهرها كعتق رقبة من ولد إسماعيل وذلك للمؤمنات الخاشعات الصابرات اللاتي لا يكفرن العشير (لا يكلفن العسير نسخة) قال قالت السوداء يا له فضلا لو لا ما يتبعه من الشرط (وثالثها) أنها عام في كل سفيه من صبي أو مجنون أو محجور عليه للتبذير وقريب منه ما روي عن أبي عبد الله (عليه السلام) أنه قال إن السفيه شارب الخمر ومن جرى مجراه وهذا القول أولى لعمومه وقوله ﴿التي جعل الله لكم قياما﴾ أي أموالكم التي جعلها الله قواما لمعاشكم ومعادكم تقيمكم فتقومون بها قياما وقيل معناه ما تعطي ولدك السفيه من مالك الذي جعله الله قواما لعيشك فيفسده عليك وتضطر إليه فيصير ربا عليك ينفق مالك عليك ﴿وارزقوهم فيها واكسوهم﴾ اختلف في معناه فقيل يريد لا تؤتوهم أموالكم التي تملكونها ولكن ارزقوهم منها إن كانوا ممن يلزمكم نفقته واكسوهم الآية عن ابن عباس والحسن وقتادة ومجاهد وقيل يريد لا تعط امرأتك وولدك مالك فيكونوا هم الذين ينفقون عليك وأطعمهم من مالك واكسهم عن السدي وابن زيد وهذا أمر بإحراز المال وحسن سياسته كقوله ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل ويلتفت إليه قول النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) نعم المال الصالح للرجل الصالح وقيل عنى بقوله أموالكم أموالهم كما قال ولا تقتلوا أنفسكم أي لا تؤتوا اليتامى أموالهم وارزقوهم منها واكسوهم عن سعيد بن جبير والأولى حمل الآية على العموم فلا يجوز أن تعطي المال السفيه الذي يفسده ولا اليتيم الذي لا يبلغ ولا الذي بلغ ولم يؤنس منه الرشد وإنما تكون إضافة مال اليتيم إلى من له القيام بأمرهم ضربا من المجاز أو يكون التقدير لا تؤتوا السفهاء أموالكم التي بعضها لكم وبعضها لهم فيضيعوها وقد روي أنه سئل الصادق (عليه السلام) عن هذا فقيل كيف يكون أموالهم أموالنا فقال إذا كنت أنت الوارث له ﴿وقولوا لهم قولا معروفا﴾ أي تلطفوا لهم في القول ولا تخاشنوهم وقولوا لهم ما ينبههم على الرشد والصلاح في أمور المعاش والمعاد حتى إذا بلغوا كانوا على بصيرة من ذلك وفي هذه الآية دلالة على جواز الحجر على اليتيم إذا بلغ ولم يؤنس منه الرشد لأن الله منع من دفع المال إلى السفهاء وفيها أيضا دلالة على وجوب الوصية إذا كانت الورثة سفهاء لأن ترك الوصية والحال هذه بمنزلة إعطاء المال أهل السفه وإنما سمي الناقص العقل سفيها لأن السفه خفة الحلم ولذلك سمي الفاسق أيضا سفيها لأنه لا وزن له عند أهل الدين.