الآيـة 150

وَمِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنتُمْ فَوَلُّواْ وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ لِئَلاَّ يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَيْكُمْ حُجَّةٌ إِلاَّ الَّذِينَ ظَلَمُواْ مِنْهُمْ فَلاَ تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِي وَلأُتِمَّ نِعْمَتِي عَلَيْكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ ﴿150﴾

الإعراب:

﴿لئلا يكون﴾ هو لأن لا كتبت الهمزة ياء لكسرة ما قبلها وترك نافع همزها تخفيفا وأدغمت النون في اللام وموضع اللام من لئلا نصب والعامل فيه فولوا وقال الزجاج العامل فيه ما دخل الكلام من معنى عرفتكم ذلك لئلا يكون وكذلك قوله ﴿ولأتم نعمتي﴾ اللام تتعلق بقوله فولوا وتقديره لأن أتم وقوله ﴿إلا الذين ظلموا﴾ فيه أقوال (أحدها) أنه استثناء منقطع كقوله ما لهم به من علم إلا اتباع الظن ويقال ما له علي حق إلا التعدي والظلم يعني لكنه يتعدى ويظلم وقال النابغة:

ولا عيب فيهم غير أن سيوفهم

بهن فلول من قراع الكتائب وكأنه يقول إن كان فيهم عيب فهذا وليس هذا بعيب فإذا ليس فيهم عيب وهكذا في الآية إن كان على المؤمنين حجة فللظالم في احتجاجه وليس للظالم حجة فإذا ليس عليهم حجة و(الثاني) أن تكون الحجة بمعنى المحاجة فكأنه قال لئلا يكون للناس عليكم حجاج إلا الذين ظلموا فإنهم يحاجونكم بالباطل فعلى هذا يكون الاستثناء متصلا و(الثالث) ما قاله أبو عبيدة أن إلا هاهنا بمعنى الواو أي ولا الذين ظلموا وأنكر عليه الفراء والمبرد قال الفراء إلا لا يأتي بمعنى الواو من غير أن يتقدمه استثناء كما قال الشاعر:

ما بالمدينة دار غيره واحدة

دار الخليفة إلا دار مروانا أي دار الخليفة ودار مروان وأنشد الأخفش:

وأرى لها دارا بأغدرة السيدان

لم يدرس لها رسم

إلا رمادا هامدا دفعت

عنه الرياح خوالد سحم أي أرى لها دارا ورمادا وقال المبرد لا يجوز أن يكون إلا بمعنى الواو أصلا و(الرابع) أن فيه إضمار على وتقديره إلا على الذين ظلموا منهم فكأنه قال لئلا يكون عليكم حجة إلا على الذين ظلموا فإنه يكون الحجة عليهم وهم الكفار عن قطرب وهو اختيار الأزهري قال علي بن عيسى وهذان الوجهان بعيدان والاختيار القول الأول.

المعنى:

قد مضى الكلام في معنى أول الآية وقيل في تكراره وجوه (أحدها) أنه لاختلاف المعنى وإن اتفق اللفظ لأن المراد بالأول ﴿ومن حيث خرجت﴾ منصرفا عن التوجه إلى بيت المقدس ﴿فول وجهك شطر المسجد الحرام﴾ والمراد بالثاني أين ما كنت من البلاد فتوجه نحوه من كل جهات الكعبة وسائر الأقطار (وثانيها) أنه من مواضع التأكيد لما جرى من النسخ ليثبت في القلوب (وثالثها) أنه لاختلاف المواطن والأوقات التي تحتاج إلى هذا المعنى فيها وقوله ﴿لئلا يكون للناس عليكم حجة﴾ قيل فيه وجوه (أولها) أن معناه لأن لا يكون لأهل الكتاب عليكم حجة إذا لم تصلوا نحو المسجد الحرام بأن يقولوا ليس هذا هو النبي المبشر به إذ ذاك نبي يصلي بالقبلتين (وثانيها) أن معناه لا تعدلوا عما أمركم الله به من التوجه إلى الكعبة فتكون لهم عليكم حجة بأن يقولوا لو كنتم تعلمون أنه من عند الله لما عدلتم عنه عن الجبائي (وثالثها) ما قاله أبو روق إن حجة اليهود أنهم كانوا قد عرفوا أن النبي المبعوث في آخر الزمان قبلته الكعبة فلما رأوا محمدا يصلي إلى الصخرة احتجوا بذلك فصرفت قبلته إلى الكعبة لئلا يكون لهم عليه حجة ﴿إلا الذين ظلموا منهم﴾ يريد إلا الظالمين الذين يكتمون ما عرفوا من أنه يحول إلى الكعبة وعلى هذا يكون الاستثناء متصلا وقد مضى ذكر ما قيل فيه من الأقوال في الإعراب وإنما اختلف العلماء في وجه الاستثناء لأن الظالم لا يكون له حجة لكنه يورد ما هو في اعتقاده حجة وإن كانت باطلة كما قال سبحانه حجتهم داحضة وقيل المراد بالذين ظلموا قريش واليهود فأما قريش فقالوا قد علم أننا على مدى فرجع إلى قبلتنا وسيرجع إلى ديننا وأما اليهود فقالوا لم ينصرف عن قبلتنا عن علم وإنما فعله برأيه وزعم أنه قد أمر به وقيل المراد بالذين ظلموا العموم يعني ظلموكم بالمقاتلة وقلة الاستماع وقوله ﴿فلا تخشوهم واخشوني﴾ لما ذكرهم بالظلم والخصومة والمحاجة طيب نفوس المؤمنين فقال لا تخافوهم ولا تلتفتوا إلى ما يكون منهم فإن عاقبة السوء عليهم ولا حجة لأحد منهم عليكم ولا يد وقيل لا تخشوهم في استقبال الكعبة واخشوا عقابي في ترك استقبالها فإني أحفظكم من كيدهم وقوله ﴿ولأتم نعمتي عليكم﴾ عطف على قوله ﴿لئلا﴾ وتقديره لئلا يكون لأحد عليكم حجة ولأتم نعمتي عليكم بهدايتي إياكم إلى قبلة إبراهيم (عليه السلام) بين سبحانه أنه حول القبلة لهذين الغرضين زوال القالة وتمام النعمة وروي عن ابن عباس أنه قال ولأتم نعمتي عليكم في الدنيا والآخرة أما في الدنيا فأنصركم على أعدائكم وأورثكم أرضهم وديارهم وأموالهم وأما في الآخرة فجنتي ورحمتي وروي عن علي (عليه السلام) قال النعم ستة الإسلام والقرآن ومحمد (صلى الله عليه وآله وسلّم) والستر والعافية والغنى عما في أيدي الناس ﴿ولعلكم تهتدون﴾ أي لكي تهتدوا ولعل من الله واجب عن الحسن وجماعة وقيل لتهتدوا إلى ثوابها وقيل إلى التمسك بها.