الآية- 158

هَلْ يَنظُرُونَ إِلاَّ أَن تَأْتِيهُمُ الْمَلآئِكَةُ أَوْ يَأْتِيَ رَبُّكَ أَوْ يَأْتِيَ بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ لاَ يَنفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِن قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْرًا قُلِ انتَظِرُواْ إِنَّا مُنتَظِرُونَ ﴿158﴾

القراءة:

قرأ حمزة والكسائي وخلف يأتيهم بالياء هاهنا وفي النحل وقرأ الباقون ﴿تأتيهم﴾ بالتاء وقد مضى الكلام في أمثال ذلك.

المعنى:

ثم توعدهم سبحانه فقال ﴿هل ينظرون﴾ معناه ما ينتظرون يعني هؤلاء ذكرهم وقال أبو علي الجبائي معناه هل تنتظر أنت يا محمد وأصحابك إلا هذا وهم وإن انتظروا غيره فذلك لا يعتد به من حيث ما ينتظرونه من هذه الأشياء المذكورة لعظم شأنها فهو مثل قوله وما رميت إذ رميت ولكن الله رمى وكما يقال تكلم فلان ولم يتكلم إذا تكلم بما لا يعتد به ﴿إلا أن تأتيهم الملائكة﴾ لقبض أرواحهم عن مجاهد وقتادة والسدي وقيل لإنزال العذاب والخسف بهم وقيل لعذاب القبر ﴿أو يأتي ربك﴾ فيه أقوال (أحدها) أو يأتي أمر ربك بالعذاب فحذف المضاف ومثله وجاء ربك عن الحسن وجاز هذا الحذف كما جاز في قوله إن الذين يؤذون الله أي أولياء الله وقال ابن عباس يأتي أمر ربك فيهم بالقتل (وثانيها) أو يأتي ربك بجلائل آياته فيكون حذف الجار فوصل الفعل ثم حذف المفعول لدلالة الكلام عليه وهو قيام الدليل في العقل على أن الله سبحانه لا يجوز عليه الانتقال ولا يختلف عليه الحل (وثالثها) أن المعنى أو يأتي إهلاك ربك إياهم بعذاب عاجل أو آجل أو بالقيامة وهذا كقولنا قد نزل فلان ببلد كذا وقد أتاهم فلان أي قد أوقع بهم عن الزجاج ﴿أو يأتي بعض آيات ربك﴾ وذلك نحو خروج الدابة أو طلوع الشمس من مغربها عن مجاهد وقتادة والسدي وروي عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) أنه قال بادروا بالأعمال ستا طلوع الشمس من مغربها والدابة والدجال والدخان وخويصة أحدكم أي موته وأمر العامة يعني القيامة ﴿يوم يأتي بعض آيات ربك﴾ التي تضطرهم إلى المعرفة ويزول التكليف عندها ﴿لا ينفع نفسا إيمانها لم تكن آمنت من قبل﴾ لأنه ينسد باب التوبة بظهور آيات القيامة ويضطر الله تعالى كل أحد إلى معرفته ومعرفة المحسنات والمقبحات ضرورة ويعرفه أنه إن حاول القبيح أو ترك الحسن حيل بينه وبينه فيصير ملحا إلى فعل الحسن وترك القبيح ﴿أو كسبت في إيمانها خيرا﴾ عطف على قوله ﴿آمنت﴾ وقيل في معناه أقوال (أحدها) أنه إنما قال ذلك على جهة التغليب لأن الأكثر مما ينتفع بإيمانه حينئذ من كسب في إيمانه خيرا (وثانيها) أنه لا ينفع أحدا فعل الإيمان ولا فعل خير فيه في تلك الحال لأنها حال زوال التكليف وإنما ينفع ذلك قبل تلك الحال عن السدي فيكون معناه لا ينفعه إيمانه حينئذ وإن كسب في إيمانه خيرا أي طاعة وبرا لأن الإيمان واكتساب الخير إنما ينفعان من قبل (وثالثها) أنه الإبهام في أحد الأمرين فالمعنى أنه لا ينفع في ذلك اليوم إيمان نفس إذا لم تكن آمنت قبل ذلك اليوم أو ضمت إلى إيمانها أفعال الخير فإنها إذا آمنت قبل نفعها إيمانها وكذلك إذا ضمت إلى الإيمان طاعة نفعتها أيضا يريد أنه لا ينفع حينئذ إيمان من آمن من الكفار ولا طاعة من أطاع من المؤمنين ومن آمن من قبل نفعه إيمانه بانفراده وكذلك من أطاع من المؤمنين نفعته طاعته أيضا وهذا أقوى الأقوال وأوضحها ﴿قل انتظروا﴾ إتيان الملائكة ووقوع هذه الآيات ﴿إنا منتظرون﴾ بكم وقوعها وفي هذه الآية حث على المسارعة إلى الإيمان والطاعة قبل الحال التي لا يقبل فيها التوبة وفيها أيضا حجة على من يقول إن الإيمان اسم لأداء الواجبات وللطاعات فإنه سبحانه قد صرح فيها بأن اكتساب الخيرات غير الإيمان المجرد لعطفه سبحانه كسب الخيرات وهي الطاعات في الإيمان على فعل الإيمان فكأنه قال لا ينفع نفسا لم تؤمن قبل ذلك اليوم إيمانها ذلك اليوم وكذا لا ينفع نفسا لم تكن كاسبة خيرا في إيمانها قبل ذلك كسبها الخيرات ذلك اليوم وقد عكس الحاكم أبو سعيد في تفسيره الأمر فيه فقال هو خلاف ما يقوله المرجئة لأنه يدل على أن الإيمان بمجرده لا ينفع حتى يكون معه اكتساب الخيرات وليت شعري كيف تدل الآية على ما قاله وكيف حكم لنفسه على خصمه فيما الحكم فيه لخصمه عليه وهل هذا إلا عدول عن سنن العدل والإنصاف.