الآيات 146-147

وَعَلَى الَّذِينَ هَادُواْ حَرَّمْنَا كُلَّ ذِي ظُفُرٍ وَمِنَ الْبَقَرِ وَالْغَنَمِ حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ شُحُومَهُمَا إِلاَّ مَا حَمَلَتْ ظُهُورُهُمَا أَوِ الْحَوَايَا أَوْ مَا اخْتَلَطَ بِعَظْمٍ ذَلِكَ جَزَيْنَاهُم بِبَغْيِهِمْ وِإِنَّا لَصَادِقُونَ ﴿146﴾ فَإِن كَذَّبُوكَ فَقُل رَّبُّكُمْ ذُو رَحْمَةٍ وَاسِعَةٍ وَلاَ يُرَدُّ بَأْسُهُ عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ ﴿147﴾

اللغة:

الظفر ظفر الإنسان وغيره ورجل أظفر إذا كان طويل الأظفار كما يقال أشعر لطويل الشعر والحوايا المباعر قال الزجاج واحدها حاوية وحاوياء وحوية وهي ما يحوي في البطن فاجتمع واستدار.

الإعراب:

موضع الحوايا يحتمل أن يكون رفعا عطفا على الظهور وتقديره أو ما حملت الحوايا ويحتمل أن يكون نصبا عطفا على ما في قوله ﴿إلا ما حملت﴾ فأما قوله ﴿أو ما اختلط بعظم﴾ فإن ما هذه معطوفة على ما الأولى ﴿ذلك﴾ يجوز أن يكون منصوب الموضع بأنه مفعول ثان لجزيناهم التقدير جزيناهم ذلك ببغيهم ولا يجوز أن يرفع بالابتداء لأنه يصير التقدير ذلك جزيناهموه فيكون كقولهم زيد ضربت أي ضربته وهذا إنما يجوز في ضرورة الشعر.

المعنى:

ثم بين سبحانه ما حرمه على اليهود فقال ﴿وعلى الذين هادوا﴾ أي على اليهود في أيام موسى ﴿حرمنا كل ذي ظفر﴾ اختلف في معناه فقيل هو كل ما ليس بمنفرج الأصابع كالإبل والنعام والإوز والبط عن ابن عباس وسعيد بن جبير وقتادة ومجاهد والسدي وقيل هو الإبل فقط عن ابن زيد وقيل يدخل فيه كل السباع والكلاب والسنانير وما يصطاد بظفره عن الجبائي وقيل كل ذي مخلب من الطير وكل ذي حافر من الدواب عن القتيبي والبلخي ﴿ومن البقر والغنم حرمنا عليهم شحومهما﴾ أخبر سبحانه أنه كان حرم عليهم شحوم البقر والغنم من الثرب وشحم الكلي وغير ذلك مما في أجوافها واستثنى من ذلك فقال ﴿إلا ما حملت ظهورهما﴾ من الشحم وهو اللحم السمين فإنه لم يحرم عليهم ﴿أو الحوايا﴾ أي ما حملته الحوايا من الشحم فإنه غير محرم عليهم أيضا والحوايا هي المباعر عن ابن عباس والحسن وسعيد بن جبير وقتادة ومجاهد والسدي وقيل هي بنات اللبن عن ابن زيد وقيل هي الأمعاء التي عليها الشحوم عن الجبائي ﴿أو ما اختلط بعظم﴾ ذلك أيضا مستثنى من جملة ما حرم وهو شحم الجنب والألية لأنه على العصعص عن ابن جريج والسدي وقيل الألية لم تدخل في هذا لأنها لم تستثن عن الجبائي فكأنه لم يعتد بعظم العصعص قال الزجاج إنما دخلت أو هاهنا على طريق الإباحة كما قال سبحانه ولا تطع منهم آثما أو كفورا والمعنى أن كل هؤلاء أهل أن يعصى فاعص هذا أو اعص هذا وأو بليغة في هذا المعنى لأنك إذا قلت لا تطع زيدا وعمرا فجائز أن يكون نهيتني عن طاعتهما في حال معا فإن أطعت زيدا على حدته لم أكن عصيتك وإذا قلت لا تطع زيدا أو عمرا أو خالدا فالمعنى أن هؤلاء كلهم أهل أن لا يطاع فلا تطع واحدا منهم ولا تطع الجماعة ومثله جالس الحسن أو ابن سيرين أو الشعبي ﴿ذلك جزيناهم ببغيهم﴾ المعنى حرمنا ذلك عليهم عقوبة لهم بقتلهم الأنبياء وأخذهم الربا واستحلالهم أموال الناس بالباطل فهذا بغيهم وهو كقوله فبظلم من الذين هادوا حرمنا عليهم طيبات أحلت لهم وقيل بغيهم ظلمهم على أنفسهم في ارتكابهم المحظورات وقيل إن ملوك بني إسرائيل كانوا يمنعون فقراءهم من أكل لحوم الطير والشحوم فحرم الله ذلك ببغيهم على فقرائهم ذكره علي بن إبراهيم في تفسيره ويسأل فيقال كيف يكون التكليف عقوبة وهو تابع للمصلحة وتعريض للثواب وجوابه أنه إنما سمي جزاء وعقابا لأن عظيم ما فعلوه من المعاصي اقتضى تحريم ذلك وتغيير المصلحة فيه ولو لا عظم جرمهم لما اقتضت المصلحة ذلك ﴿وإنا لصادقون﴾ أي في الإخبار عن التحريم وعن بغيهم وفي كل شيء وفي أن ذلك التحريم عقوبة لأوائلهم ومصلحة لمن بعدهم إلى وقت النسخ ﴿فإن كذبوك﴾ يا محمد فيما تقول ﴿فقل ربكم ذو رحمة واسعة﴾ لذلك لا يعجل عليكم بالعقوبة بل يمهلكم ﴿ولا يرد بأسه﴾ أي لا يدفع عذابه إذا جاء وقته ﴿عن القوم المجرمين﴾ أي المكذبين.