الآيات 142-144

وَمِنَ الأَنْعَامِ حَمُولَةً وَفَرْشًا كُلُواْ مِمَّا رَزَقَكُمُ اللّهُ وَلاَ تَتَّبِعُواْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ ﴿142﴾ ثَمَانِيَةَ أَزْوَاجٍ مِّنَ الضَّأْنِ اثْنَيْنِ وَمِنَ الْمَعْزِ اثْنَيْنِ قُلْ آلذَّكَرَيْنِ حَرَّمَ أَمِ الأُنثَيَيْنِ أَمَّا اشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ أَرْحَامُ الأُنثَيَيْنِ نَبِّؤُونِي بِعِلْمٍ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ ﴿143﴾ وَمِنَ الإِبْلِ اثْنَيْنِ وَمِنَ الْبَقَرِ اثْنَيْنِ قُلْ آلذَّكَرَيْنِ حَرَّمَ أَمِ الأُنثَيَيْنِ أَمَّا اشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ أَرْحَامُ الأُنثَيَيْنِ أَمْ كُنتُمْ شُهَدَاء إِذْ وَصَّاكُمُ اللّهُ بِهَذَا فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللّهِ كَذِبًا لِيُضِلَّ النَّاسَ بِغَيْرِ عِلْمٍ إِنَّ اللّهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ ﴿144﴾

القراءة:

قرأ ابن كثير وابن فليح وابن عامر وأهل البصرة المعز بفتح العين والباقون بسكونها.

الحجة:

قال أبو علي من قرأ المعز فإنه جمع ماعز مثل خادم وخدم وحارس وحرس وطالب وطلب وقال أبو الحسن هو جمع على غير واحد وكذلك المعزى وحكى أبو زيد الأمعوز وقالوا المعيز كالكليب والضئين ومن قرأ ﴿المعز﴾ فإنه جمع أيضا مثل صاحب وصحب وتاجر وتجر وراكب وركب وأبو الحسن يرى هذا الجمع مستمرا ويرده في التصغير إلى الواحد فيقول في تحقير ركب رويكبون وفي تجر تويجرون وسيبويه يراه اسما من أسماء الجموع وأنشد أبو عثمان في الاحتجاج لسيبويه:

أخشى ركيبا أو رجيلا عاديا

فتحقيره له على لفظه يدل على أنه اسم للجمع وأنشد:

وأين ركيب واضعون رحالهم.

اللغة:

الحمولة الإبل يحمل عليه الأثقال ولا واحد لها من لفظها كالركوبة والجزورة والحمولة بضم الحاء هي الأحمال وهي الحمول أيضا وإنما قيل للصغار فرش لأمرين (أحدهما) لاستواء أسنانها في الصغر والانحطاط كاستواء ما يفرش (والثاني) أنه من الفرش وهو الأرض المستوية التي يتوطاها الناس والزوج يقع على الواحد الذي يكون معه آخر وعلى الاثنين كما يقال للواحد والاثنين خصم وعدل والاشتمال أصله الشمول يقال شملهم الأمر يشملهم وشملهم الأمر يشملهم شمولا إذا عمهم ومنه الشمال لشمولها على ظاهر الشيء وباطنه بقوتها ولطفها ومن ذلك الشمول للخمر لاشتمالها على العقل وقيل لأن لها عصفة كعصفة الشمال.

الإعراب:

حمولة عطف على جنات أي وأنشأ من الأنعام حمولة واثنين محمول على أنشأ أيضا أي ثمانية أزواج اثنين من كذا واثنين من كذا فثمانية أزواج بدل من حمولة وفرشا واثنين من كذا واثنين من كذا بدل من ثمانية أو عطف بيان وقوله ﴿آلذكرين حرم﴾ دخلت همزة الاستفهام على همزة الوصل وفصل بينهما بالألف ولم تسقط همزة الوصل لئلا يلتبس الاستفهام بالخبر ولو أسقطت لجاز لأن أم تدل على الاستفهام وعلى هذا الوجه أجاز سيبويه أن يكون قول الشاعر:

فو الله ما أدري وإن كنت داريا

شعيث بن سهم أو شعيث بن منقر استفهاما فيكون تقديره أ شعيث وما في قوله ﴿أما﴾ اشتملت في موضع نصب بكونه عطفا على الأنثيين وإنما قال الأنثيين فثنى لأنه أراد من الضأن والمعز.

المعنى:

ثم عطف سبحانه على ما عده فيما تقدم من عظيم الأنعام ببيان نعمته في إنشاء الأنعام فقال ﴿ومن الأنعام﴾ أي وأنشأ من الأنعام ﴿حمولة وفرشا﴾ قد قيل فيه أقوال (أحدها) أن الحمولة كبار الإبل والفرش صغارها عن ابن عباس وابن مسعود بخلاف والحسن بخلاف ومجاهد (وثانيها) أن الحمولة ما يحمل عليه من الإبل والبقر والفرش الغنم عن الحسن في رواية أخرى وقتادة والربيع والسدي والضحاك وابن زيد (وثالثها) أن الحمولة كل ما حمل من الإبل والبقر والخيل والبغال والحمير والفرش الغنم عن ابن عباس في رواية أخرى فكأنه ذهب إلى أنه يدخل في الأنعام الحافر على وجه التبع (رابعها) أن معناه ما ينتفعون به في الحمل وما يفترشونه في الذبح فمعنى الافتراش الاضطجاع للذبح عن أبي مسلم قال وهو كقوله فإذا وجبت جنوبها وروي عن الربيع بن أنس أيضا أن الفرش ما يفرش للذبح أيضا (وخامسها) أن الفرش ما يفرش من أصوافها وأوبارها ويرجع الصفتان إلى الأنعام أي من الأنعام ما يحمل عليه ومنها ما يتخذ من أوبارها وأصوافها ما يفرش ويبسط عن أبي علي الجبائي ﴿كلوا مما رزقكم الله﴾ أي استحلوا الأكل مما أعطاكم الله ولا تحرموا شيئا منها كما فعله أهل الجاهلية في الحرث والأنعام وعلى هذا يكون الأمر على ظاهره ويمكن أن يكون أراد نفس الأكل فيكون بمعنى الإباحة ﴿ولا تتبعوا خطوات الشيطان إنه لكم عدو مبين﴾ مضى تفسيره في سورة البقرة ثم فسر تعالى الحمولة والفرش فقال ﴿ثمانية أزواج﴾ وتقديره وأنشأ ثمانية أزواج أنشأ ﴿من الضأن اثنين ومن المعز اثنين﴾ ومن الإبل اثنين ومن البقر اثنين وإنما أجمل ثم فصل المجمل لأنه أراد أن يقرر على شيء شيء منه ليكون أشد في التوبيخ من أن يذكر ذلك دفعة واحدة ومعناه ثمانية أفراد لأن كل واحد من ذلك يسمى زوجا فالذكر زوج الأنثى والأنثى زوج الذكر كما قال تعالى ﴿أمسك عليك زوجك﴾ وقيل معناه ثمانية أصناف من الضأن اثنين يعني الذكر والأنثى ومن المعز اثنين الذكر والأنثى والضأن ذوات الصوف من الغنم والمعز ذوات الشعر منه وواحد الضأن ضائن كقولهم تاجر وتجر والأنثى ضائنة وواحد المعز ماعز وقيل أن المراد بالاثنين الأهلي والوحشي من الضأن والمعز والبقر والمراد بالاثنين من الإبل العراب والبخاتي وهو المروي عن أبي عبد الله (عليه السلام) وإنما خص هذه الثمانية لأنها جميع الأنعام التي كانوا يحرمون منها ما يحرمونه على ما تقدم ذكره ﴿قل﴾ يا محمد لهؤلاء المشركين الذين يحرمون ما أحل الله تعالى ﴿آلذكرين﴾ من الضأن والمعز ﴿حرم﴾ الله ﴿أم الأنثيين﴾ منهما ﴿أما اشتملت عليه أرحام الأنثيين﴾ أي أم حرم ما اشتمل عليه رحم الأنثى من الضأن والأنثى من المعز وإنما ذكر الله سبحانه هذا على وجه الاحتجاج عليهم بين به فريتهم وكذبهم على الله تعالى فيما ادعوا من أن ما في بطون الأنعام حلال للذكور وحرام على الإناث وغير ذلك مما حرموه فإنهم لو قالوا حرم الذكرين لزمهم أن يكون كل ذكر حراما ولو قالوا حرم الأنثيين لزمهم أن يكون كل أنثى حراما ولو قالوا حرم ما اشتمل عليه رحم الأنثى من الضأن والمعز لزمهم تحريم الذكور والإناث فإن أرحام الإناث تشتمل على الذكور والإناث فيلزمهم بزعمهم تحريم هذا الجنس صغارا وكبارا وذكورا وإناثا ولم يكونوا يفعلون ذلك بل كان يخصون بالتحريم بعضا دون بعض فقد لزمتهم الحجة ثم قال ﴿نبئوني بعلم إن كنتم صادقين﴾ معناه أخبروني بعلم عما ذكرتموه من تحريم ما حرمتموه وتحليل ما حللتموه إن كنتم صادقين في ذلك ﴿ومن الإبل اثنين ومن البقر اثنين﴾ هذا تفصيل لتمام الأزواج الثمانية ﴿قل﴾ يا محمد ﴿آلذكرين حرم﴾ الله منهما ﴿أم الأنثيين أما اشتملت عليه أرحام الأنثيين﴾ قد تقدم معناه ﴿أم كنتم شهداء﴾ أي حضورا ﴿إذ وصاكم الله بهذا﴾ أي أمركم به وحرمه عليكم حتى تضيفوه إليه وإنما ذكر ذلك لأن طريق العلم إما الدليل الذي يشترك العقلاء في إدراك الحق به أو المشاهدة التي يختص بها بعضهم دون بعض فإذا لم يكن واحد من الأمرين سقط المذهب والمراد بذلك أعلمتموه بالسمع والكتب المنزلة وأنتم لا تقرون بذلك أم شافهكم الله تعالى به فعلمتموه وإذا لم يكن واحد منهما فقد علم بطلان ما ذهبتم إليه ﴿فمن أظلم ممن افترى على الله كذبا﴾ أي من أظلم لنفسه ممن كذب على الله وأضاف إليه تحريم ما لم يحرمه وتحليل ما لم يحلله ﴿ليضل الناس بغير علم﴾ أي يعمل عمل القاصد إلى إضلالهم من أجل دعائه إياهم إلى ما لا يثق بصحته مما لا يأمن من أن يكون فيه هلاكهم وإن لم يقصد إضلالهم ﴿إن الله لا يهدي القوم الظالمين﴾ إلى الثواب لأنهم مستحقون العقاب الدائم بكفرهم وضلالهم.