الآيات 73-75

وَالَّذينَ كَفَرُواْ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ إِلاَّ تَفْعَلُوهُ تَكُن فِتْنَةٌ فِي الأَرْضِ وَفَسَادٌ كَبِيرٌ ﴿73﴾ وَالَّذِينَ آمَنُواْ وَهَاجَرُواْ وَجَاهَدُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَالَّذِينَ آوَواْ وَّنَصَرُواْ أُولَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا لَّهُم مَّغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ ﴿74﴾ وَالَّذِينَ آمَنُواْ مِن بَعْدُ وَهَاجَرُواْ وَجَاهَدُواْ مَعَكُمْ فَأُوْلَئِكَ مِنكُمْ وَأُوْلُواْ الأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللّهِ إِنَّ اللّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ ﴿75﴾

اللغة:

الفتنة أصلها الامتحان ثم تستعمل في أشياء منها الكفر والشرك وذلك نحو قوله تعالى والفتنة أكبر من القتل وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ومنها العذاب نحو قوله تعالى ﴿جعل فتنة الناس كعذاب الله﴾ وقوله ﴿ذوقوا فتنتكم﴾ يعني عذابكم بالتحريق بالنار ومنها المعذرة في نحو قوله تعالى ﴿ثم لم تكن فتنتهم﴾ أي معذرتهم ومنها القتل في نحو قوله ﴿إن خفتم أن يفتنكم﴾ أي يقتلكم وقوله على خوف من فرعون وملإيهم أن يفتنهم ومنها الهرج والابتلاء على إثر البلاء في نحو قوله وهم لا يفتنون ولقد فتنا الذين من قبلهم وهذا التفصيل مأخوذ من قول الصادق (عليه السلام).

والكريم فاعل الكرم والكرم الجود العظيم والشرف قال:

تلك المكارم لا قعبان من لبن

شيبا بماء فعادا بعد أبوالا والرزق الكريم العظيم الواسع.

الإعراب:

قوله فعليكم النصر يجوز في العربية فعليكم النصر على قولك عليك زيدا ولم يقرأ بها.

المعنى:

ثم ذكر سبحانه وتعالى حكم الكافرين فقال ﴿والذين كفروا بعضهم أولياء بعض﴾ أي بعضهم أنصار بعض عن ابن إسحاق وقتادة وقيل معناه بعضهم أولى ببعض في الميراث عن ابن عباس وأبي مالك ﴿ألا تفعلوه﴾ وتقديره إلا تفعلوا ما أمرتم به في الآية الأولى والثانية ومخرجه مخرج الخبر والمراد به الأمر وتقديره إلا تفعلوا ما أمرتم به من التناصر والتعاون والتبرؤ من الكفار ﴿تكن فتنة في الأرض وفساد كبير﴾ على المؤمنين الذين لم يهاجروا ويريد بالفتنة هنا المحنة بالميل إلى الضلال وبالفساد الكبير ضعف الإيمان وقيل إن الفتنة هي الكفر لأن المسلمين إذا والوهم تجرؤوا على المسلمين ودعوهم إلى الكفر وهذا يوجب التبرؤ منهم والفساد الكبير سفك الدماء عن الحسن وقيل معناه وإن لم تعلقوا التوارث بالهجرة ولم تقطعوه بعدمها أدى إلى فتنة في الأرض باختلاف الكلمة وفساد عظيم بتقوية الخارج عن الجماعة عن ابن عباس وابن زيد ثم عاد سبحانه إلى ذكر المهاجرين والأنصار ومدحهم والثناء عليهم فقال ﴿والذين آمنوا وهاجروا وجاهدوا في سبيل الله﴾ أي صدقوا الله ورسوله وهاجروا من ديارهم وأوطانهم يعني من مكة إلى المدينة وجاهدوا مع ذلك في إعلاء دين الله ﴿والذين آووا ونصروا﴾ أي ضموهم إليهم ونصروا النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) ﴿أولئك هم المؤمنون حقا﴾ أي أولئك الذين حققوا إيمانهم بالهجرة والنصرة بخلاف من أقام بدار الشرك وقيل معناه أن الله حقق إيمانهم بالبشارة التي بشرهم بها ولم يكن لمن لم يهاجر ولم ينصر مثل هذا واختلفوا في أن الهجرة هل تصح في هذا الزمان أم لا فقيل لا تصح لأن النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) قال لا هجرة بعد الفتح ولأن الهجرة الانتقال من دار الكفر إلى دار الإسلام وليس يقع مثل هذا في هذا الزمان لاتساع بلاد الإسلام إلا أن يكون نادرا لا يعتد به وقيل إن هجرة الأعراب إلى الأمصار باقية إلى يوم القيامة عن الحسن والأقوى أن يكون حكم الهجرة باقيا لأن من أسلم في دار الحرب ثم هاجر إلى دار الإسلام كان مهاجرا وكان الحسن يمنع أن يتزوج المهاجر إلى أعرابية وروي عن عمر بن الخطاب أنه قال لا تنكحوا أهل مكة فإنهم أعراب وإنما سمي الجهاد سبيل الله لأنه الطريق إلى ثواب الله في دار كرامته ﴿لهم مغفرة ورزق كريم﴾ لا يشوبه ما ينغصه وقيل الرزق الكريم هاهنا طعام الجنة لأنه لا يستحيل في أجوافهم نجوا بل يصير كالمسك ريحا ﴿والذين آمنوا من بعد﴾ أي من بعد فتح مكة عن الحسن وقيل معناه آمنوا من بعد إيمانكم ﴿وهاجروا﴾ بعد هجرتكم ﴿وجاهدوا معكم﴾ أيها المؤمنون ﴿فأولئك منكم﴾ أي مؤمنون مثلكم من جملتكم وحكمهم حكمكم في وجوب موالاتهم وموارثتهم ونصرتهم وإن تأخر إيمانهم وهجرتهم ﴿وأولوا الأرحام بعضهم أولى ببعض﴾ معناه وذوو الأرحام والقرابة بعضهم أحق بميراث بعضهم من غيرهم عن ابن عباس والحسن وجماعة المفسرين وقالوا صار ذلك نسخا لما قبله من التوارث بالمعاقدة والهجرة وغير ذلك من الأسباب فقد كانوا يتوارثون بالمؤاخاة فإن النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) كان آخى بين المهاجرين والأنصار ﴿في كتاب الله﴾ أي في حكم الله عن الزجاج وقيل في اللوح المحفوظ كما في قوله ما أصاب من مصيبة في الأرض ولا في أنفسكم إلا في كتاب من قبل أن نبرأها وقيل في القرآن وفي قوله ﴿وأولو الأرحام بعضهم أولى ببعض﴾ دلالة على أن من كان أقرب إلى الميت في النسب كان أولى بالميراث سواء كان ذا سهم أو غير ذي سهم أو عصبة أو غير ذي عصبة ومن وافقنا في توريث ذوي الأرحام يستثني أصحاب الفرائض والعصبة من الآية وذلك خلاف الظاهر ﴿إن الله بكل شيء عليم﴾ ظاهر المعنى وأكثر هذه السورة في قصة بدر.