الآيات 100-101

وَجَعَلُواْ لِلّهِ شُرَكَاء الْجِنَّ وَخَلَقَهُمْ وَخَرَقُواْ لَهُ بَنِينَ وَبَنَاتٍ بِغَيْرِ عِلْمٍ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يَصِفُونَ ﴿100﴾ بَدِيعُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ أَنَّى يَكُونُ لَهُ وَلَدٌ وَلَمْ تَكُن لَّهُ صَاحِبَةٌ وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ وهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ ﴿101﴾

القراءة:

قرأ أهل المدينة وخرقوا بالتشديد والباقون ﴿وخرقوا﴾ بالتخفيف.

الحجة:

قال أحمد بن يحيى خرق واخترق بمعنى وقال أبو الحسن الخفيفة أعجب إلي لأنها أكثر والمعنى في القراءتين كذبوا وقد روي في الشواذ عن ابن عباس وحرفوا بالحاء والفاء وهذا شاهد يكذبهم أيضا ومثله يحرفون الكلم عن مواضعه.

اللغة:

البديع بمعنى المبدع والفرق بين الإبداع والاختراع أن الإبداع فعل ما لم يسبق إلى مثله والاختراع فعل ما لم يوجد سبب له ولذلك يقال البدعة لما خالف السنة لأنه إحداث ما لم يسبق إليه ولا يقدر أحد على الاختراع غير الله تعالى لأن حده ما ابتدىء في غير محل القدرة عليه والقادر بقدرة إما أن يفعل مباشرا وهو ما ابتدىء في محل القدرة أو متولدا وهو ما يوقع بحسب غيره ولا يقدر على الاختراع أصلا.

الإعراب:

انتصاب الجن من وجهين (أحدهما) أن يكون مفعولا أي جعلوا الجن لله شركاء ويكون شركاء مفعولا ثانيا كما قال وجعلوا الملائكة الذين هم عباد الرحمن إناثا (والآخر) أن يكون الجن بدلا من شركاء ومفسرا له سبحانه نصب على المصدر كأنه قال تسبيحا له وبديع خبر مبتدأ محذوف تقديره هو بديع السماوات ويجوز أن يكون مبتدأ وخبره ﴿أنى يكون له ولد﴾ وإنما تعدى بديع وهو فعيل لأنه معدول عن مفعل والصفة تعمل عمل ما عدلت منه فإذا لم تكن معدولة لم تتعد نحو طويل وقصير.

المعنى:

ثم رد سبحانه على المشركين وعجب من كفرهم مع هذه البراهين والحجج والبينات فقال ﴿وجعلوا﴾ يعني المشركين ﴿لله شركاء الجن﴾ أخبر الله سبحانه أنهم اتخذوا معه آلهة جعلوهم له أندادا كما قال وجعلوا بينه وبين الجنة نسبا وأراد بالجن الملائكة وإنما سماهم جنا لاستتارهم عن الأعين وهذا كما قال جعلوا الملائكة الذين هم عباد الرحمن إناثا عن قتادة والسدي وقيل أن قريشا كانوا يقولون أن الله تعالى قد صاهر الجن فحدث بينهما الملائكة فيكون على هذا القول المراد به الجن المعروف وقيل أراد بالجن الشياطين لأنهم أطاعوا الشياطين في عبادة الأوثان عن الحسن ﴿وخلقهم﴾ الهاء والميم عائدة إليهم أي جعلوا للذي خلقهم شركاء لا يخلقون ويجوز أن يكون الهاء والميم عائدة على الجن فيكون المعنى والله خلق الجن فكيف يكونون شركاء له ويجوز أن يكون المعنى وخلق الجن والإنس جميعا وروي أن يحيى بن يعمر قرأ وخلقهم بسكون اللام أي وخلق الجن يعني ما يخلقونه ويأفكون فيه ويكذبونه كأنه قال جعلوا الجن شركاءه وأفعالهم شركاء أفعاله أو شركاء له إذا عنى بذلك الأصنام ونحوها وقيل إن المعني بالآية المجوس إذ قالوا يزدان وأهرمن وهو الشيطان عندهم فنسبوا خلق المؤذيات والشرور والأشياء الضارة إلى أهرمن وجعلوه بذلك شريكا له ومثلهم الثنوية القائلون بالنور والظلمة ﴿وخرقوا له بنين وبنات﴾ أي اختلقوا وموهوا وافتروا الكذب على الله ونسبوا البنين والبنات إلى الله فإن المشركين قالوا الملائكة بنات الله والنصارى قالوا المسيح ابن الله واليهود قالوا عزير ابن الله ﴿بغير علم﴾ أي بغير حجة ويجوز أن يكون معناه بغير علم منهم بما عليهم عاجلا وآجلا ويجوز أن يكون معناه بغير علم منهم بما قالوه على حقيقة لكن جهلا منهم بالله وبعظمته تعالى ﴿سبحانه﴾ أي تنزيها له عما يقولون ﴿وتعالى عما يصفون﴾ من ادعائهم له شركاء واختراقهم له بنين وبنات أي هو يجل من أن يوصف بما وصفوه به وإنما صار اتخاذ الولد نقصا لأنه لا يخلو من أن يكون ولادة أو تبنيا وكلاهما يوجب التشبيه ومن أشبه المحدث كان على صفة نقص ﴿بديع السماوات والأرض﴾ أي مبدعهما ومنشئهما بعلمه ابتداء لا من شيء ولا على مثال سبق وهو المروي عن أبي جعفر (عليه السلام) ﴿أنى يكون له ولد﴾ أي كيف يكون له ولد ومن أين يكون له ولد ﴿ولم تكن له صاحبة﴾ أي زوجة وإنما يكون الولد من النساء فيما يتعارفونه ﴿وخلق كل شيء﴾ في هذا نفي للصاحبة والولد فإن من خلق الأشياء لا يكون شيء من خلقه صاحبة له ولا ولدا ولأن الأشياء كلها مخلوقة له فكيف يتعزز بالولد ويتكثر به ﴿وهو بكل شيء عليم﴾ يعلم الأشياء كلها موجودها ومعدومها لا يخفى عليه خافية ومن قال أن في قوله ﴿وخلق كل شيء﴾ دلالة على خلق أفعال العباد فجوابه أن المفهوم منه أنه أراد المخلوقات كما يفهم المأكولات من قول من قال أكلت كل شيء والمخلوقات كلها بما فيها من التقدير العجيب يضاف خلقها إليه سبحانه على أنه سبحانه قد نزه نفسه عن إفك العباد وكذبهم فلو كان خلقا له لما تنزه عنه.