الآيات 67-69

مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَن يَكُونَ لَهُ أَسْرَى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الأَرْضِ تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيَا وَاللّهُ يُرِيدُ الآخِرَةَ وَاللّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ﴿67﴾ لَّوْلاَ كِتَابٌ مِّنَ اللّهِ سَبَقَ لَمَسَّكُمْ فِيمَا أَخَذْتُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ ﴿68﴾ فَكُلُواْ مِمَّا غَنِمْتُمْ حَلاَلاً طَيِّبًا وَاتَّقُواْ اللّهَ إِنَّ اللّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ ﴿69﴾

القراءة:

قرأ أبو جعفر أن تكون له بالتاء أسارى وقرأ أهل الكوفة أن تكون له بالتاء ﴿أسرى﴾ والباقون ﴿أن يكون له﴾ بالياء ﴿أسرى﴾.

الحجة:

من قرأ بالتاء فلأن الجمع مؤنث ومن قرأ بالياء فلأنهم مذكرون في المعنى وقد وقع الفصل بين الفعل والفاعل قال أبو علي والأسرى أقيس من الأسارى لأن أسير فعيل بمعنى مفعول وذلك يجمع على فعلى نحو جريح وجرحى وقتيل وقتلي واستمر هذا الجمع في الباب وكثر حتى شبه به غيره مما ليس منه ولكن لموافقته مثل مرضى وهلكى وموتى وذلك أن هذه أمور ابتلوا بها وأدخلوا فيها وهم لها كارهون فصار لذلك مشبها بفعيل في قول الخليل وإنما قالوا أسارى على التشبيه بكسالى كما قالوا كسلى على التشبيه بأسرى وقال الأزهري الأسارى جمع الأسرى فهو جمع الجمع.

اللغة:

الأسر الشد على المحارب بما يصير به في قبضة الآخذ له وفلان مأسور أي مشدود وكانوا يشدون الأسير بالقد ، والإثخان في الأرض تغليظ الحال بكثرة الفتل والثخن والغلظ والكثافة نظائر وقد أثخنه المرض إذا اشتدت قوته عليه وأثخنه الجراح والعرض متاع الدنيا سماه عرضا لقلة لبثه والفرق بين الحلال والمباح أن الحلال من حل العقد في التحريم والمباح من التوسعة في الفعل وإن اجتمعا في الحل والطيب المستلذ وشبه الحلال به فسمي طيبا واللذة نيل المشتهى.

الإعراب:

الفاء في فكلوا دخلت للجزاء المعنى لقد أحللت لكم الغذاء فكلوا وحلالا طيبا منصوب على الحال.

المعنى:

﴿ما كان لنبي﴾ أي ليس له ولا في عهد الله إليه ﴿أن يكون له أسرى﴾ من المشركين ليفديهم أو يمن عليهم ﴿حتى يثخن في الأرض﴾ أي حتى يبالغ في قتل المشركين وقهرهم ليرتدع بهم من وراءهم وقال أبو مسلم الإثخان الغلبة على البلدان والتذليل لأهلها يعني حتى يتمكن في الأرض ﴿تريدون عرض الدنيا﴾ هذا خطاب لمن دون النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) من المؤمنين الذين رغبوا في أخذ الفداء من الأسرى في أول وقته ورغبوا في الحرب للغنيمة قال الحسن وابن عباس يريد يوم بدر ويقول أخذتم الفداء من الأسرى في أول وقعة كانت لكم من قبل أن تثخنوا في الأرض وعرض الدنيا مال الدنيا لأنه بمعرض الزوال ﴿والله يريد الآخرة﴾ أي تريدون عاجل الحظ من عرض الدنيا والله يريد لكم ثواب الآخرة ﴿والله عزيز﴾ لا يغلب أنصاره فاعملوا ما يريده منكم لينصركم ﴿حكيم﴾ يجري أفعاله على ما توجبه الحكمة فصل سبحانه بين إرادة نفسه وإرادة عباده ولو كان ما أرادوه على ما قاله المجبرة لم يصح هذا التفصيل ﴿لو لا كتاب من الله سبق لمسكم فيما أخذتم عذاب عظيم﴾ قيل في معناه أقوال (أحدها) لو لا ما مضى من حكم الله أن لا يعذب قوما حتى يبين لهم ما يتقون وأنه لم يبين لكم أن لا تأخذوا الفداء لعذبكم بأخذ الفداء عن ابن جريج (وثانيها) لو لا أن الله حكم لكم إباحة الغنائم والفداء في أم الكتاب وهو اللوح المحفوظ لمسكم فيما استحللتم قبل الإباحة عذاب عظيم فإن الغنائم لم تحل لأحد قبلكم عن ابن عباس (وثالثها) لو لا كتاب من الله سبق وهو القرآن ف آمنتم به واستوجبتم بالإيمان به الغفران لمسكم العذاب عن الجبائي قال والمراد به الصغائر (ورابعها) أن الكتاب الذي سبق قوله وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم والمعنى لو لا ما كتب الله في القرآن أو في اللوح المحفوظ أنه لا يعذبكم والنبي بين أظهركم لعذبكم ﴿فكلوا مما غنمتم حلالا طيبا﴾ هذه إباحة منه سبحانه للمؤمنين أن يأكلوا مما غنموه من أموال المشركين ﴿واتقوا الله﴾ باتقاء معاصيه ﴿إن الله غفور رحيم﴾.

القصة:

كان القتلى من المشركين يوم بدر سبعين قتل منهم علي بن أبي طالب (عليه السلام) سبعة وعشرين وكان الأسرى أيضا سبعين ولم يؤسر أحد من أصحاب النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) فجمعوا الأسارى وقرنوهم في الحبال وساقوهم على أقدامهم وقتل من أصحاب رسول الله تسعة رجال منهم سعد بن خيثمة وكان من النقباء من الأوس وعن محمد بن إسحاق قال استشهد من المسلمين يوم بدر أحد عشر رجلا أربعة من قريش وسبعة من الأنصار وقيل ثمانية وقتل من المشركين بضعة وأربعون رجلا وعن ابن عباس قال لما أمسى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) يوم بدر والناس محبوسون بالوثاق بات ساهرا أول الليلة فقال له أصحابه ما لك لا تنام فقال (صلى الله عليه وآله وسلّم) سمعت أنين عمي العباس في وثاقه فأطلقوه فسكت فنام رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) وروى عبيدة السلماني عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) أنه قال لأصحابه يوم بدر في أسارى إن شئتم قتلتموهم وإن شئتم فاديتموهم واستشهد منكم بعدتهم وكانت الأسارى سبعين فقالوا بل نأخذ الفداء فنستمتع به ونتقوى به على عدونا وليستشهد منا بعدتهم قال عبيدة طلبوا الخيرتين كلتيهما فقتل منهم يوم أحد سبعون وفي كتاب علي بن إبراهيم لما قتل رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) النضر بن الحارث وعقبة بن أبي معيط خافت الأنصار أن يقتل الأسارى فقالوا يا رسول الله قتلنا سبعين وهم قومك وأسرتك أ تجذا أصلهم فخذ يا رسول الله منهم الفداء وقد كانوا أخذوا ما وجدوه من الغنائم في عسكر قريش فلما طلبوا إليه وسألوه نزلت الآية ﴿ما كان لنبي أن يكون له أسرى﴾ الآيات فأطلق لهم ذلك وكان أكثر الفداء أربعة آلاف درهم وأقله ألف درهم فبعثت قريش بالفداء أولا فأولا فبعثت زينب بنت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) من فداء زوجها أبي العاص بن الربيع وبعثت قلائد لها كانت خديجة جهزتها بها وكان أبو العاص ابن أخت خديجة فلما رأى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) تلك القلائد قال رحم الله خديجة هذه قلائد هي جهزتها بها فأطلقه رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) بشرط أن يبعث إليه زينب ولا يمنعها من اللحوق به فعاهده على ذلك ووفى له وروي أن النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) كره أخذ الفداء حتى رأى سعد بن معاذ كراهية ذلك في وجهه فقال يا رسول الله هذا أول حرب لقينا فيه المشركين والإثخان في القتل أحب إلي من استبقاء الرجال وقال عمر بن الخطاب يا رسول الله كذبوك وأخرجوك فقدمهم واضرب أعناقهم ومكن عليا من عقيل فيضرب عنقه ومكني من فلان أضرب عنقه فإن هؤلاء أئمة الكفر وقال أبو بكر أهلك وقومك استأن بهم واستبقهم وخذ منهم فدية فيكون لنا قوة على الكفار قال ابن زيد فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) لو نزل عذاب من السماء ما نجا منكم غير عمر وسعد بن معاذ وقال أبو جعفر الباقر (عليه السلام) كان الفداء يوم بدر كل رجل من المشركين بأربعين أوقية والأوقية أربعون مثقالا إلا العباس فإن فداءه كان مائة أوقية وكان أخذ منه حين أسر عشرون أوقية ذهبا فقال النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) ذلك غنيمة ففاد نفسك وابني أخيك نوفلا وعقيلا فقال ليس معي شيء فقال أين الذهب الذي سلمته إلى أم الفضل وقلت إن حدث بي حدث فهو لك وللفضل وعبد الله وقثم فقال من أخبرك بهذا قال الله تعالى فقال أشهد أنك رسول الله والله ما أطلع على هذا أحدا إلا الله تعالى.