الآية- 93

وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللّهِ كَذِبًا أَوْ قَالَ أُوْحِيَ إِلَيَّ وَلَمْ يُوحَ إِلَيْهِ شَيْءٌ وَمَن قَالَ سَأُنزِلُ مِثْلَ مَا أَنَزلَ اللّهُ وَلَوْ تَرَى إِذِ الظَّالِمُونَ فِي غَمَرَاتِ الْمَوْتِ وَالْمَلآئِكَةُ بَاسِطُواْ أَيْدِيهِمْ أَخْرِجُواْ أَنفُسَكُمُ الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ بِمَا كُنتُمْ تَقُولُونَ عَلَى اللّهِ غَيْرَ الْحَقِّ وَكُنتُمْ عَنْ آيَاتِهِ تَسْتَكْبِرُونَ ﴿93﴾

اللغة:

أصل الافتراء القطع من فريت الأديم أفريه فريا فكان الافتراء هو القطع على خبر لا حقيقة له والفترة الغشية وغمرة كل شيء معظمه وغمرات الموت شدائده قال الشاعر:

الغمرات ثم ينجلينا

وثم يذهبن فلا يجينا وأصله الشيء يغمر الأشياء فيغطيها والهون بضم الهاء الهوان قال ذو الإصبع العدواني:

اذهب إليك فما أمي براعية

ترعى المخاض ولا أغضي على الهون والهون بفتح الهاء الدعة والرفق ومنه يمشون على الأرض هونا قال:

هونا كما لا يرد الدهر ما فاتا

لا تهلكا أسفا في إثر من ماتا

الإعراب:

﴿من قال سأنزل﴾ في موضع الجر على العطف كأنه قال ومن أظلم ممن قال ذلك وجواب لو من قوله ﴿ولو ترى إذ الظالمون في غمرات الموت﴾ محذوف أي لرأيت عذابا عظيما.

النزول:

اختلفوا فيمن نزلت هذه الآية فقيل نزلت في مسيلمة حيث ادعى النبوة إلى قوله ﴿ولم يوح إليه شيء﴾ وقوله ﴿سأنزل مثل ما أنزل الله﴾ في عبد الله بن سعد بن أبي سرح فإنه كان يكتب الوحي للنبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) فكان إذا قال له اكتب عليما حكيما كتب غفورا رحيما وإذا قال له اكتب غفورا رحيما كتب عليما حكيما وارتد ولحق بمكة وقال إني أنزل مثل ما أنزل الله عن عكرمة وابن عباس ومجاهد والسدي وإليه ذهب الفراء والزجاج والجبائي وهو المروي عن أبي جعفر (عليه السلام) وقال قوم نزلت في ابن أبي سرح خاصة وقال قوم نزلت في مسيلمة خاصة.

المعنى:

لما تقدم ذكر نبوة النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) وإنزال الكتاب عليه عقبه سبحانه بذكر تهجين الكفار الذين كذبوه أو ادعوا أنهم يأتون بمثل ما أتى به فقال ﴿ومن أظلم ممن افترى على الله كذبا﴾ هذا استفهام في معنى الإنكار أي لا أحد أظلم ممن كذب على الله فادعى أنه نبي وليس بنبي ﴿أو قال أوحي إلي ولم يوح إليه شيء﴾ أي يدعي الوحي ولا يأتيه ولا يجوز في حكمة الله سبحانه أن يبعث كذابا وهذا وإن كان داخلا في الافتراء فإنما أفرد بالذكر تعظيما ﴿ومن قال سأنزل مثل ما أنزل الله﴾ قال الزجاج هذا جواب لقولهم لو نشاء لقلنا مثل هذا فادعوا ثم لم يفعلوا وبذلوا النفوس والأموال واستعملوا سائر الحيل في إطفاء نور الله وأبى الله ألا أن يتم نوره وقيل المراد به عبد الله بن سعد بن أبي سرح أملى عليه رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) ذات يوم ولقد خلقنا الإنسان من سلالة من طين إلى قوله ﴿ثم أنشأناه خلقا آخر﴾ فجرى على لسان ابن أبي سرح فتبارك الله أحسن الخالقين فأملأه عليه وقال هكذا أنزل فارتد عدو الله وقال لئن كان محمد صادقا فلقد أوحي إلي كما أوحي إليه ولئن كان كاذبا فلقد قلت كما قال وارتد عن الإسلام وهدر رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) دمه فلما كان يوم الفتح جاء به عثمان وقد أخذ بيده ورسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) في المسجد فقال يا رسول الله اعف عنه فسكت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) ثم أعاد فسكت ثم أعاد فسكت فقال هو لك فلما مر قال رسول الله لأصحابه أ لم أقل من رآه فليقتله فقال عباد بن بشر كانت عيني إليك يا رسول الله أن تشير إلي فأقتله فقال (صلى الله عليه وآله وسلّم) الأنبياء لا يقتلون بالإشارة ثم أخبر سبحانه عن حال هؤلاء فقال ﴿ولو ترى إذ الظالمون في غمرات الموت﴾ أي في شدائد الموت عند النزع وقيل في أشد العذاب في النار ﴿والملائكة﴾ الذين يقبضون الأرواح وقيل يريد ملائكة العذاب ﴿باسطوا أيديهم﴾ لقبض أرواحهم وقيل يبسطون إليهم أيديهم بالعذاب يضربون وجوههم وأدبارهم ﴿أخرجوا أنفسكم﴾ أي يقولون أخرجوا أنفسكم من سكرات الموت إن استطعتم وصدقتم فيما قلتم وادعيتم وقيل أخرجوا أنفسكم من أجسادكم عند معاينة الموت إرهاقا لهم وتغليظا عليهم وإن كان إخراجها من فعل غيرهم وقيل على التأويل الأول يقولون لهم يوم القيامة أخرجوا أنفسكم من عذاب النار إن استطعتم أي خلصوها منه ﴿اليوم تجزون عذاب الهون﴾ أي عذابا تلقون فيه الهوان ﴿بما كنتم تقولون على الله غير الحق﴾ أي في الدنيا ﴿وكنتم عن آياته تستكبرون﴾ أي تأنفون من اتباع آياته.