الآيات 80-81

وَحَآجَّهُ قَوْمُهُ قَالَ أَتُحَاجُّونِّي فِي اللّهِ وَقَدْ هَدَانِ وَلاَ أَخَافُ مَا تُشْرِكُونَ بِهِ إِلاَّ أَن يَشَاء رَبِّي شَيْئًا وَسِعَ رَبِّي كُلَّ شَيْءٍ عِلْمًا أَفَلاَ تَتَذَكَّرُونَ ﴿80﴾ وَكَيْفَ أَخَافُ مَا أَشْرَكْتُمْ وَلاَ تَخَافُونَ أَنَّكُمْ أَشْرَكْتُم بِاللّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ عَلَيْكُمْ سُلْطَانًا فَأَيُّ الْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ بِالأَمْنِ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ ﴿81﴾

القراءة:

قرأ أهل المدينة وابن عامر في رواية ابن ذكوان أتحاجوني خفيفة النون والباقون بالتشديد.

الحجة:

قال أبو علي لا نظير في قول من شدد فأما وجه التخفيف فإنه حذفت النون الثانية لالتقاء النونين والتضعيف يكره فيتوصل إلى إزالته تارة بالحذف نحو علماء بنو فلان وتارة بالإبدال نحو لا أملاه حتى تفارقا نحو ديوان وقيراط فحذفوا النون الثانية كراهة التضعيف ولا يجوز أن تكون المحذوفة الأولى لأن الاستثقال يقع بالتكرير في الأمر الأعم وفي الأولى أيضا أنها دلالة الإعراب وإنما حذفت الثانية كما حذفتها في ليتي في نحو قوله:

إذ قال ليتي أصادفه ويذهب بعض مالي وقوله:

تراه كالثغام يعل مسكا

يسوء الفاليات إذا فليني فالمحذوفة المصاحبة للياء ليسلم سكون لام الفعل وما يجري مجراها أو حركتها ولا يجوز أن يكون المحذوفة الأولى لأن الفعل يبقى بلا فاعل كما لا تحذف الأولى في أ تحاجوني لأنها للإعراب ويدل على أن المحذوفة الثانية أنها حذفت مع الجار أيضا في نحو قوله:

قدني من نصر الخبيبين قدي وقد جاء حذف هذه النون في كلامهم قال الشاعر:

أبالموت الذي لا بد أني

ملاق لا أباك تخوفيني

وقال:

تذكرونا إذ نقاتلكم

لا يضر معدما عدمه

الإعراب:

موضع أن يشاء نصب أي لا أخاف إلا مشيئة الله وهذا استثناء منقطع وقيل متصل وتقديره لا أخافهم إلا أن يشاء ربي إحياءهم واقتدارهم وعلما منصوب على التمييز.

المعنى:

ثم ذكر سبحانه محاجة إبراهيم مع قومه فقال ﴿وحاجه قومه﴾ أي خاصموه وجادلوه في الدين وخوفوه من ترك عبادة آلهتهم ﴿قال﴾ أي إبراهيم لهم ﴿أتحاجوني في الله وقد هدان﴾ أي وفقني لمعرفته ولطف بي في العلم بتوحيده وترك الشرك وإخلاص العبادة له ﴿ولا أخاف ما تشركون به﴾ أي لا أخاف منه ضررا إن كفرت به ولا أرجو نفعا إن عبدته لأنه بين صنم قد كسر فلم يدفع عن نفسه ونجم دل أفوله على حدوثه فكيف تحاجونني وتدعونني إلى عبادة من لا يخاف ضره ولا يرجى نفعه ﴿إلا أن يشاء ربي شيئا﴾ فيه قولان (أحدهما) أن معناه إلا أن يغلب الله هذه الأصنام التي تخوفونني بها فيحييها ويقدرها فتضر وتنفع فيكون ضررها ونفعها إذ ذاك دليلا على حدوثها أيضا وعلى توحيد الله وعلى أنه المستحق للعبادة دون غيره وأنه لا شريك له في ملكه ثم أثنى على الله سبحانه فقال ﴿وسع ربي كل شيء علما﴾ أي هو عالم بكل شيء ثم أمرهم بالتذكر والتدبر فقال ﴿أفلا تتذكرون﴾ والثاني قول الحسن معناه لا أخاف الأوثان إلا أن يشاء ربي أن يعذبني ببعض ذنوبي أو يشاء الإضرار بي ابتداء والأول أجود ثم احتج (عليه السلام) عليهم وأكد الحجاج بقوله ﴿وكيف أخاف ما أشركتم﴾ أي كيف تلزمونني أن أخاف ما أشركتم به من الأوثان المخلوقة وقد تبين حالهم في أنهم لا يضرون ولا ينفعون ﴿ولا تخافون أنكم أشركتم بالله﴾ أي ولا تخافون من هو القادر على الضر والنفع بل تجرؤون عليه بأن أشركتم أي جعلتم له شركاء في ملكه وتعبدونهم من دونه وقيل معناه كيف أخاف شرككم وأنا منه بريء والله تعالى لا يعاقبني بفعلكم وأنتم لا تخافون وقد أشركتم به فيكون على هذا ما في قوله ﴿ما أشركتم﴾ مصدرية ﴿ما لم ينزل به عليكم سلطانا﴾ أي حجة على صحته وهذا يدل على أن كل من قال قولا أو اعتقد مذهبا بغير حجة فهو مبطل ﴿فأي الفريقين أحق بالأمن﴾ أنحن وقد عرفنا الله بأدلته ووجهنا العبادة نحوه أم أنتم وقد أشركتم بعبادة غيره من الأصنام ولو أطرحتم العصبية والحمية لما وجدتم لهذا الحجاج مدفعا ﴿إن كنتم تعلمون﴾ أي تستعملون عقولكم وعلومكم فتميزون الحق من الباطل والدليل من الشبهة.