الآيات 72-73

وَأَنْ أَقِيمُواْ الصَّلاةَ وَاتَّقُوهُ وَهُوَ الَّذِيَ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ ﴿72﴾ وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ بِالْحَقِّ وَيَوْمَ يَقُولُ كُن فَيَكُونُ قَوْلُهُ الْحَقُّ وَلَهُ الْمُلْكُ يَوْمَ يُنفَخُ فِي الصُّوَرِ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ ﴿73﴾

الإعراب:

يحتمل أول الآية وجهين (أحدهما) أن يكون التقدير أمرنا لأن نسلم ولأن نقيم الصلاة (والثاني) أن يكون محمولا على المعنى لأن معناه أمرنا بالإسلام وبإقامة الصلاة وموضع أن نصب لأن الباء لما سقطت أفضى الفعل فنصب عالم الغيب رفع لأنه نعت الذي في قوله ﴿وهو الذي خلق السماوات والأرض﴾ ويحتمل أن يكون فاعل فعل يدل عليه الفعل المبني للمفعول به وهو قوله ﴿ينفخ في الصور﴾ وهذا كما يقولون أكل طعامك عبد الله والتقدير أكله عبد الله قال الشاعر:

ليبك يزيد ضارع لخصومة

ومختبط مما تطيح الطوانح كأن قيل من يبكيه قال يبكيه ضارع والأول أجود.

المعنى:

﴿وأن أقيموا الصلاة﴾ هذا موصول بما قبله أي وقيل لنا أقيموا الصلاة ﴿واتقوه﴾ أي واتقوا رب العالمين أي تجنبوا معاصيه فتتقوا عقابه ﴿وهو الذي إليه تحشرون﴾ أي تجمعون إليه يوم القيامة فيجازي كل عامل منكم بعمله ﴿وهو الذي خلق السماوات والأرض بالحق﴾ فيه قولان (أحدهما) أن معناه خلقهما للحق لا للباطل عن الحسن والزجاج وغيرهما ومعناه خلقهما حقا وصوابا لا باطلا وخطأ كما قال وما خلقنا السماء والأرض وما بينهما باطلا وأدخلت الباء والألف واللام كما أدخلت في نظائرها يقولون فلان يقول بالحق بمعنى أنه يقول حقا لا أن الحق معنى غير القول بل تقديره إن خلقهما حكمة وصواب من حكم الله وهو موصوف بالحكمة في خلقهما وخلق ما سواهما من جميع خلقه لا أن هناك حقا سوى خلقهما خلقهما به والقول الآخر ما قاله قوم أن معناه خلق السماوات والأرض بكلامه الحق وهو قوله ائتيا طوعا أو كرها فالحق صفة قوله وكلامه والأول هو الصحيح ﴿ويوم يقول كن فيكون﴾ ذكر في نصب يوم وجوه (أحدها) أن يكون عطفا على الهاء في قوله ﴿واتقوه﴾ أي واتقوا يوم يقول كن فيكون كما قال سبحانه واتقوا يوما لا تجزي نفس عن نفس شيئا (والثاني) أن يكون على معنى واذكر يوم يقول كن فيكون لأن بعده وإذ قال إبراهيم لأبيه آزر عطفا على ذلك قال الزجاج وهو الأجود (الثالث) أن يكون معطوفا على السماوات والمعنى وهو الذي خلق السماوات والأرض بالحق وخلق يوم يقول كن فيكون فإن يوم القيامة لم يأت بعد فجوابه أن ما أنبأ الله بكونه فحقيقة واقع لا محالة وأما قوله ﴿كن فيكون﴾ فقد قيل فيه إنه خطاب للصور والمعنى يوم يقول للصور كن فيكون وما ذكر من الصور يدل عليه وقيل إن قوله ﴿كن فيكون﴾ فيه إضمار جميع ما يخلق في ذلك الوقت، المعنى ويوم يقول للشيء كن فيكون وهذا إنما ذكر ليدل على سرعة أمر البعث والساعة فكأنه يقول ويوم يقول للخلق موتوا فيموتون وانتشروا فينتشرون أي لا يتعذر عليه ذلك ولا يتأخر عن وقت إرادته وقيل معناه ويوم يقول كن فيكون ﴿قوله الحق﴾ أي يأمر فيقع أمره أي ما وعدوا به من الثواب وحذروا به من العقاب والحق من صفة قوله وقوله فاعل يكون كما تقول قد قلت فكان قولك وليس المعنى إنك قلت فكان الكلام إنما المعنى إنه كان ما دل عليه القول وأما على القول المتقدم فيكون قوله مبتدأ والحق خبره وقد ذكرنا تفسير قوله ﴿كن فيكون﴾ في سورة البقرة مستقصى ﴿وله الملك يوم ينفخ في الصور﴾ قيل في نصب يوم هنا وجوه (أحدها) أن يكون متعلقا بله الملك وتقديره أن الملك قد وجب له في ذلك اليوم الذي فيه ينفخ في الصور فقد خص ذلك اليوم بأن الملك له فيه كما خصه في قوله لمن الملك اليوم لله الواحد القهار والوجه فيه أنه لا يبقى ملك من ملكه الله في الدنيا أو تغلب عليه بل يتفرد سبحانه بالملك (والثاني) أن يكون ﴿يوم ينفخ في الصور﴾ مبنيا عن قوله ﴿يوم يقول كن فيكون﴾ (والثالث) أن يكون منصوبا بقوله ﴿الحق﴾ والمعنى قوله الحق يوم ينفخ في الصور والوجه في اختصاصه بذلك اليوم وإن كان قوله حقا في كل وقت ما بيناه في الوجه الأول وهو مثل قوله والأمر يومئذ لله ولا شك أن الأمر في كل وقت لله تعالى والمراد أن ذلك اليوم يوم لا يخالف الله في أوامره لأنها محتومة ليس فيها تخيير ولا يقدر أحد على معصيته وأما الصور فقيل فيه قرن ينفخ فيه إسرافيل (عليه السلام) نفختين فتفنى الخلائق كلهم بالنفخة الأولى ويحيون بالنفخة الثانية فتكون النفخة الأولى لانتهاء الدنيا والثانية لابتداء الآخرة وقال الحسن هو جمع صورة كما أن السور جمع سورة وعلى هذا فيكون معناه يوم ينفخ الروح في الصور ويؤيد القول الأول ما رواه أبو سعيد الخدري عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) أنه قال كيف أنعم وقد التقم صاحب القرن القرن وحنا جبينه وأصغى سمعه ينتظر أن يؤمر فينفخ قالوا فكيف نقول يا رسول الله قال قولوا حسبنا الله ونعم الوكيل والعرب تقول نفخ الصور ونفخ في الصور قال الشاعر:

لو لا ابن جعدة لم يفتح قهندزكم

ولا خراسان حتى ينفخ الصور

﴿عالم الغيب والشهادة﴾ أي يعلم ما لا يشاهده الخلق وما يشاهدونه وما لا يعلمه الخلق وما يعلمونه لا يخفى عليه شيء من ذلك ﴿وهو الحكيم﴾ في أفعاله ﴿الخبير﴾ العالم بعباده وأفعالهم.