الآية- 65

قُلْ هُوَ الْقَادِرُ عَلَى أَن يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَابًا مِّن فَوْقِكُمْ أَوْ مِن تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعاً وَيُذِيقَ بَعْضَكُم بَأْسَ بَعْضٍ انظُرْ كَيْفَ نُصَرِّفُ الآيَاتِ لَعَلَّهُمْ يَفْقَهُونَ ﴿65﴾

اللغة:

لبست عليهم الأمر ألبسه إذا لم أبينه وخلطت بعضه ببعض ولبست الثوب ألبسه واللبس اختلاط الأمر واختلاط الكلام ولابست الأمر خالطته والشيع الفرق وكل فرقة شيعة على حدة وشيعت فلانا اتبعته والتشيع هو الاتباع على وجه التدين والولاء للمتبوع والشيعة صارت في العرف اسما لمتبعي أمير المؤمنين علي (عليه السلام) على سبيل الاعتقاد لإمامته بعد النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) بلا فصل من الإمامية والزيدية وغيرهم ولا يقع إطلاق هذه اللفظة على غيرهم من المتبعين سواء كان متبوعهم محقا أو مبطلا إلا أن يسقط عنه لام التعريف ويضاف بلفظ من للتبعيض فيقال هؤلاء شيعة بني العباس أو شيعة بني فلان.

المعنى:

ثم عطف سبحانه على ما تقدم من الحجج التي حاج به الكافرين ونبه على الأعذار والإنذار فقال ﴿قل﴾ يا محمد لهؤلاء الكفار ﴿هو القادر على أن يبعث﴾ أي يرسل ﴿عليكم عذابا من فوقكم أو من تحت أرجلكم﴾ قيل فيه وجوه (أحدها) أن عذابا من فوقكم عنى به الصيحة والحجارة والطوفان والريح كما فعل بعاد وثمود وقوم شعيب وقوم لوط أو من تحت أرجلكم عنى به الخسف كما فعل بقارون عن سعيد بن جبير ومجاهد (وثانيها) أن المراد بقوله ﴿من فوقكم﴾ أي من قبل كباركم أو من تحت أرجلكم من سفلتكم عن الضحاك (وثالثها) أن من فوقكم السلاطين الظلمة ومن تحت أرجلكم العبيد السوء ومن لا خير فيه عن ابن عباس وهو المروي عن أبي عبد الله (عليه السلام) ﴿أو يلبسكم شيعا﴾ أي يخلطكم فرقا مختلفي الأهواء لا تكونون شيعة واحدة وقيل هو أن يكلهم إلى أنفسهم فلا يلطف لهم اللطف الذي يؤمنون عنده ويخليهم من ألطافه بذنوبهم السالفة وقيل عنى به يضرب بعضكم ببعض بما يلقيه بينكم من العداوة والعصبية وهو المروي عن أبي عبد الله (عليه السلام) ﴿ويذيق بعضكم بأس بعض﴾ أي قتال بعض وحرب بعض ومعناه يقتل بعضكم بعضا حتى يفني بعضكم بعضا كما قال وكذلك نولي بعض الظالمين بعضا بما كانوا يكسبون وقيل هو سواء الجوار عن أبي عبد الله (عليه السلام) وقال الحسن التهديد بإنزال العذاب والخسف يتناول الكفار وقوله ﴿أو يلبسكم شيعا﴾ يتناول أهل الصلاة وقال قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) سألت ربي أن لا يظهر على أمتي أهل دين غيرهم فأعطاني وسألته أن لا يهلكهم جوعا فأعطاني وسألته أن لا يجمعهم على ضلالة فأعطاني وسألته أن لا يلبسهم شيعا فمنعني وفي تفسير الكلبي أنه لما نزلت هذه الآية قام النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) فتوضأ وأسبغ وضوءه ثم قام وصلى فأحسن صلاته ثم سأل الله سبحانه أن لا يبعث على أمته عذابا من فوقهم ولا من تحت أرجلهم ولا يلبسهم شيعا ولا يذيق بعضهم بأس بعض فنزل جبرائيل (عليه السلام) فقال يا محمد إن الله تعالى سمع مقالتك وإنه قد أجارهم من خصلتين ولم يجرهم من خصلتين أجارهم من أن يبعث عليهم عذابا من فوقهم أو من تحت أرجلهم ولم يجرهم من الخصلتين الأخريين فقال (صلى الله عليه وآله وسلّم) يا جبرائيل ما بقاء أمتي مع قتل بعضهم بعضا فقام وعاد إلى الدعاء فنزل الم أحسب الناس أن يتركوا أن يقولوا آمنا وهم لا يفتنون الآيتين فقال لا بد من فتنة تبتلى بها الأمة بعد نبيها ليتبين الصادق من الكاذب لأن الوحي انقطع وبقي السيف وافتراق الكلمة إلى يوم القيامة وفي الخبر أنه (صلى الله عليه وآله وسلّم) قال إذا وضع السيف في أمتي لم يرفع عنها إلى يوم القيامة وقال أبي بن كعب سيكون في هذه الأمة بين يدي الساعة خسف وقذف ومسخ ثم أكد سبحانه الاحتجاج عليهم بقوله ﴿أنظر كيف نصرف الآيات﴾ أي أنظر يا محمد كيف نردد الآيات ونظهرها مرة بعد أخرى بوجوه أدلتها حتى تزول الشبه ﴿لعلهم يفقهون﴾ أي لكي يعلموا الحق فيتبعوه والباطل فيجتنبوه وإذا كان البعث في الآية محمولا على التسليط فالمراد به التمكين ورفع الحيلولة دون أن يفعل سبحانه ذلك أو يأمر به تعالى الله عن ذلك وفي هذه الآية دلالة على أنه سبحانه قادر على ما المعلوم أنه لا يفعله.