الآيات 38-40

قُل لِلَّذِينَ كَفَرُواْ إِن يَنتَهُواْ يُغَفَرْ لَهُم مَّا قَدْ سَلَفَ وَإِنْ يَعُودُواْ فَقَدْ مَضَتْ سُنَّةُ الأَوَّلِينِ ﴿38﴾ وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لاَ تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلّه فَإِنِ انتَهَوْاْ فَإِنَّ اللّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ بَصِيرٌ ﴿39﴾ وَإِن تَوَلَّوْاْ فَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ مَوْلاَكُمْ نِعْمَ الْمَوْلَى وَنِعْمَ النَّصِيرُ ﴿40﴾

اللغة:

الانتهاء الإقلاع عن الشيء لأجل النهي يقال نهاه عن كذا فانتهى والسنة والطريقة والسيرة نظائر قال:

فلا تجزعن من سنة أنت سرتها

فأول راضي سنة من يسيرها

والسلوف التقدم والتولي عن الدين الذهاب عنه إلى خلافه والتولي فيه هو الذهاب إلى جهة الحق ومتابعته.

الإعراب:

﴿وإن تولوا﴾ شرط وقوله ﴿فاعلموا أن الله مولاكم﴾ أمر في موضع الجواب وإنما جاز ذلك لأن فيه معنى الخبر فكأنه قال فواجب عليكم العلم بأن الله مولاكم.

المعنى:

ثم أمر سبحانه نبيه (صلى الله عليه وآله وسلّم) بدعائهم إلى التوبة والإيمان فقال ﴿قل﴾ يا محمد ﴿للذين كفروا إن ينتهوا﴾ أي يتوبوا عما هم عليه من الشرك ويمتنعوا منه ﴿يغفر لهم ما قد سلف﴾ أي ما قد مضى من ذنوبهم وقيل معناه إن ينتهوا عن المحاربة إلى الموادعة يغفر لهم ما قد سلف من المعاقبة ﴿وإن يعودوا فقد مضت سنة الأولين﴾ معناه وإن يعودوا إلى القتال وأصروا على الكفر فقد مضت سنة الله في آبائكم وعادته في نصر المؤمنين وكبت أعداء الدين والأسر والاسترقاق وإنما ذكر ذلك تحذيرا لهم وأضاف السنة إليهم لأنها كانت تجري عليهم وقال سنة من قد أرسلنا فأضاف السنة إلى الرسل لأنها كانت تجري على أيديهم ثم قال ولا تجد لسنتنا تحويلا فأضاف إلى نفسه لأنه هو المجري لها ﴿وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة﴾ هذا خطاب للنبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) والمؤمنين بأن يقاتلوا الكفار حتى لا تكون فتنة أي شرك عن ابن عباس والحسن ومعناه حتى لا يكون كافر بغير عهد لأن الكافر إذا كان بغير عهد كان عزيزا في قومه يدعو الناس إلى دينه فتكون الفتنة في الدين وقيل حتى لا يفتن مؤمن عن دينه ﴿ويكون الدين كله لله﴾ أي ويجتمع أهل الحق وأهل الباطل على الدين الحق فيما يعتقدونه ويعملون به أي ويكون الدين حينئذ كله لله باجتماع الناس عليه وروى زرارة وغيره عن أبي عبد الله (عليه السلام) أنه قال لم يجيء تأويل هذه الآية ولو قام قائمنا بعد سيرى من يدركه ما يكون من تأويل هذه الآية وليبلغن دين محمد (صلى الله عليه وآله وسلّم) ما بلغ الليل حتى لا يكون مشرك على ظهر الأرض كما قال الله تعالى ﴿يعبدونني لا يشركون بي شيئا﴾ ﴿فإن انتهوا﴾ عن الكفر ﴿فإن الله بما يعملون بصير﴾ معناه فإن رجعوا عن الكفر وانتهوا عنه فإن الله يجازيهم بأعمالهم مجازاة البصير بها باطنها وظاهرها لا يخفى عليه منها شيء ﴿وإن تولوا﴾ عن دين الله وطاعته ﴿فاعلموا﴾ أيها المؤمنون ﴿أن الله مولاكم﴾ أي ناصركم وسيدكم وحافظكم ﴿نعم المولى﴾ أي نعم السيد والحافظ ﴿ونعم النصير﴾ هو ينصر المؤمنين ويعينهم على طاعته ولا يخذل من هو ناصره.