الآيـة 108

أَمْ تُرِيدُونَ أَن تَسْأَلُواْ رَسُولَكُمْ كَمَا سُئِلَ مُوسَى مِن قَبْلُ وَمَن يَتَبَدَّلِ الْكُفْرَ بِالإِيمَانِ فَقَدْ ضَلَّ سَوَاء السَّبِيلِ ﴿108﴾

اللغة:

السؤال هو أن يطلب أمر ممن يعلم معنى الطلب وسواء بالمد على ثلاثة أوجه بمعنى قصد وعدل وبمعنى وسط في قوله إلى سواء الجحيم وبمعنى غير في قولك أتيت سواك أي غيرك ومعنى ضل هاهنا ذهب عن الاستقامة قال الأخطل:

كنت القذى في موج أكدر مزبد

قذف الآتي به فضل ضلالا.

الإعراب:

أم هذه منقطعة فإن أم على ضربين متصلة ومنقطعة فالمتصلة عديلة الألف وهي مفرقة لما جمعته أي كما أن أو مفرقة لما جمعه أحد تقول أضرب أيهم شئت زيدا أم عمرا أم بكرا كما تقول اضرب أحدهم زيدا أو عمرا أو بكرا والمنقطعة لا تكون إلا بعد كلام لأنها بمعنى بل وهمزة الاستفهام كقول العرب أنها لابل أم شاء كأنه قال بل أ هي شاء فقوله ﴿أم تريدون﴾ تقديره بل أ تريدون ومثله قول الأخطل:

كذبتك عينك أم رأيت بواسط

غلس الظلام من الرباب خيالا

﴿أن تسئلوا﴾ موصول وصلة في محل النصب لأنه مفعول تريدون كما أن الكاف حرف جر ما حرف موصول ﴿سئل موسى﴾ جملة فعلية هي صلة ما والموصول والصلة في محل الجر بالكاف والكاف متعلق بتسألوا والجار والمجرور في محل النصب على المصدر ومن قبل في محل النصب لأنه ظرف قوله ﴿سئل﴾ ومن اسم للشرط في محل الرفع بالابتداء والفاء في قوله ﴿فقد ضل سواء السبيل﴾ في محل الجزم لأنه جواب الشرط ومعنى حرف الشرط الذي تضمنه من مع الجملتين في محل الرفع لأنه خبر المبتدأ.

النزول:

اختلف في سبب نزول الآية فروي عن ابن عباس أنه قال إن رافع بن حرملة ووهب بن زيد قالا لرسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) ائتنا بكتاب تنزله علينا من السماء نقرؤه وفجر لنا أنهارا نتبعك ونصدقك فأنزل الله هذه الآية وقال الحسن عنى بذلك مشركي العرب وقد سألوا فقالوا لن نؤمن لك حتى تفجر لنا إلى قوله أو تأتي بالله والملائكة قبيلا وقالوا لو لا أنزل علينا الملائكة أو نرى ربنا وقال السدي سألت العرب محمدا أن أتيهم بالله فيروه جهرة وقال مجاهد سألت قريش محمدا أن يجعل لهم الصفا ذهبا قال نعم ولكن يكون لكم كالمائدة لقوم عيسى (عليه السلام) فرجعوا وقال أبو علي الجبائي روي أن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) سأله قوم أن يجعل لهم ذات أنواط كما كان للمشركين ذات أنواط وهي شجرة كانوا يعبدونها ويعلقون عليها الثمر وغيره من المأكولات كما سألوا موسى (عليه السلام) اجعل لنا إلها كما لهم آلهة.

المعنى:

﴿أم تريدون﴾ أي بل أ تريدون ﴿أن تسئلوا رسولكم﴾ يعني النبي محمدا ﴿كما سئل موسى﴾ أي كما سأل قوم موسى موسى ﴿من قبل﴾ من الاقتراحات أي ذهب يمينا وشمالا والسبيل والطريق والمذهب نظائر والجمع السبل.

والمحالات ﴿ومن يتبدل الكفر بالإيمان﴾ أي من استبدل الجحود بالله وب آياته بالتصديق بالله والإقرار به وب آياته واقترح المحالات على النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) وسأل عما لا يعنيه بعد وضوح الحق بالبراهين ﴿فقد ضل سواء السبيل﴾ أي ذهب عن قصد الطريق وقيل عن طريق الاستقامة وقيل عن وسط الطريق لأن وسط الطريق خير من أطرافه.

النظم:

وجه اتصال هذه الآية بما قبلها أنه لما دل الله تعالى بما تقدم على تدبيره لهم فيما يأتي به من الآيات وما ينسخه واختياره لهم ما هو الأصلح في كل حال قال أ ما ترضون بذلك وكيف تتخيرون محالات مع اختيار الله لكم ما يعلم فيه من المصلحة فإذا أتي ب آية تقوم بها الحجة فليس لأحد الاعتراض عليها ولا اقتراح غيرها لأن ذلك بعد صحة البرهان بها يكون تعنتا.