الآيات 57-58

قُلْ إِنِّي عَلَى بَيِّنَةٍ مِّن رَّبِّي وَكَذَّبْتُم بِهِ مَا عِندِي مَا تَسْتَعْجِلُونَ بِهِ إِنِ الْحُكْمُ إِلاَّ لِلّهِ يَقُصُّ الْحَقَّ وَهُوَ خَيْرُ الْفَاصِلِينَ ﴿57﴾ قُل لَّوْ أَنَّ عِندِي مَا تَسْتَعْجِلُونَ بِهِ لَقُضِيَ الأَمْرُ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَاللّهُ أَعْلَمُ بِالظَّالِمِينَ ﴿58﴾

القراءة:

قرأ أهل الحجاز وعاصم ﴿يقص الحق﴾ بالصاد والباقون يقضي الحق.

الحجة:

حجة من قرأ يقضي قوله والله يقضي بالحق وحكي عن أبي عمرو أنه استدل بقوله ﴿وهو خير الفاصلين﴾ في أن الفصل في الحكم ليس في القصص وحجة من قرأ ﴿يقص﴾ قوله والله يقول الحق وقالوا قد جاء الفصل في القول أيضا في نحو قوله أنه لقول فصل وأما قوله ﴿الحق﴾ فيحتمل أمرين يجوز أن يكون صفة مصدر محذوف تقديره يقضي القضاء الحق أو يقص القصص الحق ويجوز أن يكون مفعولا به مثل يفعل الحق كقوله:

وعليهما مسرودتان قضاهما

داود أو صنع السوابغ تبع

اللغة:

البينة الدلالة التي تفصل بين الحق والباطل والبيان هو الدلالة وقيل هو العلم الحادث والاستعجال طلب الشيء في غير وقته والحكم فصل الأمر على التمام.

الإعراب:

يقال لم قال كذبتم به والبينة مؤنثة قيل لأن البينة بمعنى البيان فالهاء كناية عن البيان عن الزجاج وقيل كناية عن الرب في قوله ﴿ربي﴾ وقوله ﴿كذبتم﴾ قد مضمر معه لأنه في موضع الحال والحال لا يكون بالفعل الماضي إلا ومعه قد إما مظهرة أو مضمرة.

المعنى:

لما أمر النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) بأن يتبرأ مما يعبدونه عقب ذلك سبحانه بالبيان أنه على حجة من ذلك وبينة وأنه لا بينة لهم فقال ﴿قل﴾ يا محمد لهؤلاء الكفار ﴿إني على بينة من ربي﴾ أي على أمر بين لا متبع لهوى عن الزجاج وقال الحسن البينة النبوة أي على نبوة من جهة ربي وقيل على حجة من معجزة دالة على نبوتي وهي القرآن عن الجبائي وقيل على يقين من ربي عن ابن عباس ﴿وكذبتم به﴾ أي بما أتيتكم به من البيان يعني القرآن ﴿ما عندي﴾ أي ليس عندي ﴿ما تستعجلون به﴾ قيل معناه الذي تطلبونه من العذاب كانوا يقولونه يا محمد آتنا بالذي تعدنا وهذا كقوله ويستعجلونك بالعذاب عن ابن عباس والحسن وقيل هي الآية التي اقترحوها عليه استعجلوه بها فأعلم الله تعالى أن ذلك عنده فقال ﴿إن الحكم إلا لله﴾ يريد أن ذلك عند ربي وعن ابن عباس يعني ليس الحكم في الفصل بين الحق والباطل وفي إنزال الآيات إلا لله ﴿يقص الحق﴾ أي يفصل الحق من الباطل ويقص الحق أي يقوله ويخبر به ﴿وهو خير الفاصلين﴾ لأنه لا يظلم في قضاياه ولا يجوز عن الحق وهذا يدل على بطلان قول من يزعم أن الظلم والقبائح بقضائه لأن من المعلوم أن ذلك كله ليس بحق ﴿قل﴾ يا محمد لهؤلاء الكفار ﴿لو أن عندي﴾ أي برأيي وإرادتي ﴿ما تستعجلون به﴾ من إنزال العذاب بكم ﴿لقضي الأمر بيني وبينكم﴾ أي لفرغ من الأمر بأن أهلككم فاستريح منكم غير أن الأمر فيه إلى الله تعالى ﴿والله أعلم بالظالمين﴾ وبوقت عذابهم وما يصلحهم وفي هذا دلالة على أنه سبحانه إنما يؤخر العقوبة لضرب من المصلحة إما لأن يؤمنوا أو لغير ذلك من المصالح فهو يدبر ذلك على حسب ما تقتضيه الحكمة.