الولاية وأركانها الثلاثة

وقد ذكر في هذه الآية الشريفة ثلاثة أركان للإمامة، وهي: الإيمان، وإقامة الصلاة، وإيتاء الزكاة في حال الركوع. مع أن تفكيرنا القاصر لا يهتدي بسهولة لمبررات الاقتصار على هذه الأمور الثلاثة. فإنّ الناس كلهم مطالبون بالإيمان، وبإقامة الصلاة، وبالزكاة في حال الركوع، وفي غيرها من الأحوال.

فكيف أناط الله تعالى هذا المنصب الإلهي الخطير جداً بهذه الأمور دون سواها، فجعل عليّاً أمير المؤمنين لأجلها وليّاً، وإماماً للمسلمين إلى يوم القيامة، منه يأخذون معارفهم، وعلمهم، وأخلاقهم، وكل معالم دينهم، وينقادون له، وبدونه لا يقبل لهم عمل، ولا يدخلون الجنّة، ولا يشمّون ريحها.

ثم إنهم يقولون: ان عمر بن الخطّاب قد تصدّق بسبعين خاتماً لكي تنزل فيه آية من هذا القبيل فلم يكن له ذلك. وكأن عمر يتصوّر أن القصة قصة خاتم.

ونقول في مقام شرح هذا الأمر: إن العناصر الثلاثة التي ارتكزت عليها ولاية أمير المؤمنين هي:

1. الإيمان: الذي يريده الإنسان ويختاره عن وعي ومعرفة. فلاحظ كلمة: آمنوا، المفيدة لصدور الإيمان منهم من حيث هو حدث، يبادر إليه المكلّف باختياره، حيث لم يقل تعالى: والمؤمنون، لأن هذه الصيغة تجعل الإيمان صفة للإنسان، ولا تشير إلى التفاته ولا إلى اختياره.

2. إقامة الصلاة: وقد عبّر عن هذا الأمر بصيغة الفعل المضارع، المفيد للحدوث، وأنه في الحال، والمشيرة أيضاً إلى الاستمرار، والالتفات، والاختيار، والإرادة. مع الالتفات إلى أن اختيار كلمة "يقيمون" دون كلمة "يصلّون"، يفهمنا أن المهم هو أن تتجسّد الصلاة في حياتهم، وليس المهم مجرّد صدورها وحدوثها منهم.

وتجسُّد الصلاة في حياة الإنسان يمثل الخضوع والانقياد الحقيقي للإرادة الإلهية، ليكون إنساناً إلهياً بكل ما لهذه الكلمة من معنى.

3. إيتاء الزكاة: ثم ينضم إلى هذين العنصرين، اللذين هما الإيمان، والطاعة لله، العنصر الإنساني في الشخصية القيادية، المتمثّل بإيتاء الزكاة في حال الركوع، وهو إنما صدر مرّة واحدة، وذلك في قضية تصدّق عليّ بالخاتم، ولكن التعبير جاء بصيغة الفعل المضارع دون الماضي، ليفيد الحدوث، والفعلية، والاستمرار، والالتفات، والاختيار، والإرادة.

وذلك يعني: أن هذا الفعل الإرادي الإنساني يرشح من حالة إنسانية راسخة في عمق الكيان. وليس مجرّد حدث عابر اقتضاه الأمر والنهي الإلهي، أو أريحية عارضة. والتعبير بالإيتاء ، دون كلمة "الإعطاء" لأن معنى آتاه: أوصل إليه شيئاً ساقه إليه، من دون إلماح فيها إلـى أن مـن يفعل ذلك هـل هـو مالك للشيء ، غير مالك له.

أما الإعطاء، فقد يقال: بأنها لا تخلو من إشارة إلى مالكية وسيطرة من قبل من يعطي على ما أعطى. والمناسب في هذا المورد هو عدم الإشارة إلى ذلك، فهذه الأركان الثلاثة هي التي تقتضي هذا المقام الإلهي الكريم، أعني به مقام الولاية.

أما العلم والعصمة، والجهاد، والزهد، والسخاء، والشجاعة،. فهي من مكوّنات العناصر الثلاثة السابقة، التي ارتكز عليها مقام الولاية والإمامة، وبعضها مما تتجسّد وتتجلّى فيه تلك العناصر، بملاحظة خصوصية المورد الذي يقتضي أن تتمظهر في هذه الحالة أو تلك.