الآية- 6

أَلَمْ يَرَوْاْ كَمْ أَهْلَكْنَا مِن قَبْلِهِم مِّن قَرْنٍ مَّكَّنَّاهُمْ فِي الأَرْضِ مَا لَمْ نُمَكِّن لَّكُمْ وَأَرْسَلْنَا السَّمَاء عَلَيْهِم مِّدْرَارًا وَجَعَلْنَا الأَنْهَارَ تَجْرِي مِن تَحْتِهِمْ فَأَهْلَكْنَاهُم بِذُنُوبِهِمْ وَأَنْشَأْنَا مِن بَعْدِهِمْ قَرْنًا آخَرِينَ ﴿6﴾

اللغة:

القرن أهل كل عصر مأخوذ من أقرانهم في العصر قال الزجاج والقرن ثمانون سنة وقيل سبعون سنة قال والذي يقع عندي أن القرن أهل كل مدة كان فيها نبي أو كان فيها طبقة من أهل العلم قلت السنون أو كثرت والدليل عليه قول النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) خيركم قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم والتمكين إعطاء ما به يصح الفعل كائنا ما كان من آلة وغيرها والإقدار إعطاء القدرة خاصة ومفعال من أسماء المبالغة يقال ديمة مدرار إذا كان مطرها غزيرا دارا وهذا كقولهم امرأة مذكار إذا كانت كثيرة الولادة للذكور وكذلك مئناث في الإناث وأصل المدرار من در اللبن إذا أقبل على الحالب منه شيء كثير ودرت السماء إذا أمطرت والدر اللبن ويقال لله دره أي عمله وفي الذم لا در دره أي لا كثر خيره.

الإعراب:

كم نصب بأهلكنا لا بقوله ﴿يروا﴾ لأن الاستفهام له صدر الكلام فلا يعمل فيه ما قبله وهو تعليق ومعنى التعليق أن الاستفهام أبطل عمل يرى في اللفظ وقد عمل في معناه وانتقل من الخبر إلى الخطاب في قوله ﴿ما لم نمكن لكم﴾ اتساعا في الكلام وقد قال ﴿مكناهم في الأرض﴾ وإنما لم يقل ما لم نمكنكم لأن العرب تقول مكنته ومكنت له كما تقول نصحته ونصحت له.

المعنى:

ثم حذرهم سبحانه ما نزل بالأمم قبلهم فقال ﴿ألم يروا﴾ أي ألم يعلم هؤلاء الكفار ﴿كم أهلكنا من قبلهم من قرن﴾ أي من أمة وكل طبقة مقترنين في وقت قرن ﴿مكناهم في الأرض ما لم نمكن لكم﴾ معناه جعلناهم ملوكا وأغنياء كأنه سبحانه أخبر النبي عنهم في صدر الكلام ثم خاطبه معهم وقال ابن عباس يريد أعطيناهم ما لم نعطكم والمعنى وسعنا عليهم في كثرة العبيد والأموال والولاية والبسطة وطول العمر ونفاذ الأمر وأنتم تسمعون أخبارهم وترون ديارهم وآثارهم ﴿وأرسلنا السماء عليهم مدرارا﴾ قال ابن عباس يريد به الغيث والبركة والسماء معناه المطر هنا ﴿وجعلنا الأنهار﴾ أي ماء الأنهار ﴿تجري من تحتهم فأهلكناهم بذنوبهم﴾ ولم يغن ذلك عنهم شيئا لما طغوا واجترءوا علينا ﴿وأنشأنا من بعدهم قرنا آخرين﴾ أي خلقنا من بعد هلاكهم جماعة أخرى وفي هذه الآية دلالة على وجوب التفكر والتدبر واحتجاج على منكري البعث بأن من أهلك من قبلهم وأنشأ قوما آخرين قادر على أن يفني العالم وينشىء عالما آخر ويعيد الخلق بعد الإفناء.