الآيات 167-168

وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكَ لَيَبْعَثَنَّ عَلَيْهِمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَن يَسُومُهُمْ سُوءَ الْعَذَابِ إِنَّ رَبَّكَ لَسَرِيعُ الْعِقَابِ وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ ﴿167﴾ وَقَطَّعْنَاهُمْ فِي الأَرْضِ أُمَمًا مِّنْهُمُ الصَّالِحُونَ وَمِنْهُمْ دُونَ ذَلِكَ وَبَلَوْنَاهُمْ بِالْحَسَنَاتِ وَالسَّيِّئَاتِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ ﴿168﴾

الإعراب:

﴿ومنهم دون ذلك﴾ دون في موضع الرفع بالابتداء ولكنه جاء منصوبا لتمكنه في الظرفية ومثله على قول أبي الحسن لقد تقطع بينكم هو في موضع الرفع فجاء منصوبا لهذا المعنى وكذلك في قوله يوم القيامة يفصل بينكم بين في موضع رفع لقيامه مقام الفاعل وإن شئت كان التقدير ومنهم جماعة دون ذلك فحذف الموصوف وقامت صفته مقامه.

المعنى:

ثم خاطب سبحانه النبي فقال ﴿وإذ تأذن ربك﴾ معناه واذكر يا محمد إذ أذن وأعلم ربك فإن تأذن وأذن بمعنى وقيل معناه تألى ربك أي أقسم القسم الذي يسمع بالأذن وقيل معناه قال ربك عن ابن عباس ﴿ليبعثن عليهم﴾ أي على اليهود ﴿إلى يوم القيامة من يسومهم سوء العذاب﴾ أي من يذيقهم ويوليهم شدة العذاب بالقتل وأخذ الجزية منهم والمعني به أمة محمد (صلى الله عليه وآله وسلّم) عند جميع المفسرين وهو المروي عن أبي جعفر (عليه السلام) وهذا يدل على أن اليهود لا تكون لهم دولة إلى يوم القيامة ولا عز وأما معنى البعث هاهنا فهو الأمر والإطلاق والمعونة وقيل معناه التخلية وإن وقع على وجه المعصية كقوله سبحانه ﴿أنا أرسلنا الشياطين على الكافرين تؤزهم أزا﴾ ﴿إن ربك لسريع العقاب﴾ لمن يستوجبه على الكفر والمعصية ﴿وإنه لغفور رحيم﴾ ظاهر المعنى وإنما قال سريع العقاب وإن كان العقاب مؤخرا إلى يوم القيامة لأن كل آت فهو قريب وقيل معناه سريع العقاب لمن شاء أن يعاقبه في الدنيا ﴿وقطعناهم في الأرض أمما﴾ معناه وفرقناهم في البلاد فرقا مختلفة وجماعات شتى يعني اليهود عن ابن عباس ومجاهد وإنما فرقهم بأن فرق دواعيهم حتى افترقوا في البلاد وتفرقهم ذل لهم بمنزلة أخذ الجزية لأنهم لا يتعاونون ولا يتناصرون وقيل إنه فرقهم لما علم سبحانه من الصلاح لهم في دينهم فصلح فريق وعصى فريق ثم أخبر سبحانه عنهم فقال ﴿منهم الصالحون﴾ أي من هؤلاء الصالحون يعني من بني إسرائيل وهم الذين يؤمنون بالله ورسله ويطيعونه ﴿ومنهم دون ذلك﴾ أي دون الصالح في الدرجة والمنزلة وهم الذين امتثلوا بعض الأوامر دون بعض وعملوا بعض المعاصي وإنما وصفهم بما كانوا عليه قبل ارتدادهم وكفرهم وذلك قبل أن يبعث فيهم عيسى (عليه السلام) وقيل معناه منهم المؤمنون بمحمد وعيسى (عليه السلام) ومنهم الكافرون عن عطاء ومجاهد ﴿وبلوناهم بالحسنات والسيئات﴾ معناه اختبرناهم بالرخاء في العيش والخفض في الدنيا والدعة والسعة في الرزق بالشدائد في العيش والمصائب في الأنفس والأموال فكأنه قال بلوناهم بالنعم والنقم والرخاء والشدة فإن فعل النعم يقتضي الرغبة إلى الله تعالى في ارتباطها وفعل النقم يقتضي الرغبة إلى الله تعالى في كشفها ﴿لعلهم يرجعون﴾ أي لكي يرجعوا إلى الله تعالى وينيبوا إلى طاعته وامتثال أمره ومتى قيل كيف يصح الرجوع إلى أمر لم يكونوا عليه قط فالقول فيه أن الذاهب عن الشيء قد يقال له ارجع إليه أصر أي صر إليه كما أن من رأى غيره سالكا في المهالك قد يقول له ارجع إلى الطريق المستقيم يريد به إخراجه عن المهالك وقيل إن معناه لعلهم يرجعون إلى ما عليه أصل الفطرة.