الآيات 159-160

وَمِن قَوْمِ مُوسَى أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ ﴿159﴾ وَقَطَّعْنَاهُمُ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ أَسْبَاطًا أُمَمًا وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى إِذِ اسْتَسْقَاهُ قَوْمُهُ أَنِ اضْرِب بِّعَصَاكَ الْحَجَرَ فَانبَجَسَتْ مِنْهُ اثْنَتَا عَشْرَةَ عَيْنًا قَدْ عَلِمَ كُلُّ أُنَاسٍ مَّشْرَبَهُمْ وَظَلَّلْنَا عَلَيْهِمُ الْغَمَامَ وَأَنزَلْنَا عَلَيْهِمُ الْمَنَّ وَالسَّلْوَى كُلُواْ مِن طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَمَا ظَلَمُونَا وَلَكِن كَانُواْ أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ ﴿160﴾

اللغة:

قال الأزهري السبط الفرقة لا يثنى ولا يجمع ولا يؤنث وقد جمع فقيل أسباط واشتقاقها من سبط وهو شجر والواحدة سبطة ورجل سبط الشعر وامرأة سبطة وقد سبط شعره سبوطة وهو الذي لا جعودة فيه ورجل سبط الأصابع طويلها وسبط الكف سمحها ومطر سبط وسبط متدارك وسباطته سعته والسبط في كلام العرب خاصة الأولاد قال الزجاج قال بعضهم السبط القرن الذي يجيء بعد قرن والصحيح أن الأسباط في ولد إسحاق بمنزلة القبائل في ولد إسماعيل فولد كل ولد من أولاد يعقوب سبط وولد كل ولد من أولاد إسماعيل قبيلة وإنما سموا هؤلاء بالقبائل وهؤلاء بالأسباط ليفصل بين ولد إسماعيل وولد إسحاق (عليه السلام) ومعنى القبيلة الجماعة ويقال للشجرة لها قبائل وكذلك الأسباط من السبط كأنه جعل إسحاق بمنزلة شجرة وجعل إسماعيل بمنزلة شجرة وكذلك يفعل النسابون في النسب يجعلون الوالد بمنزلة شجرة وأولاده بمنزلة أغصانها ويقال طوبى لفرع فلان وفلان من شجرة صالحة فهذا معنى الأسباط والسبط.

الإعراب:

﴿اثنتي عشرة أسباطا﴾ يعني اثنتي عشرة فرقة فحذف المميز ولذلك أنث وأسباطا بدل من اثنتي عشرة تقديره وفرقناهم أسباطا وجعلناهم أسباطا ويجوز كسر الشين في عشرة وهو قراءة الأعمش ويحيى بن وثاب وأمما نعت الأسباط.

المعنى:

ثم عاد الكلام إلى قصة بني إسرائيل فقال سبحانه ﴿ومن قوم موسى أمة يهدون بالحق﴾ أي جماعة يدعون إلى الحق ويرشدون إليه ﴿وبه يعدلون﴾ أي وبالحق يحكمون ويعدلون في حكمهم واختلف في هذه الأمة من هم على أقوال (أحدها) أنهم قوم من وراء الصين وبينهم وبين الصين واد جار من الرمل لم يغيروا ولم يبدلوا عن ابن عباس والسدي والربيع والضحاك وعطاء وهو المروي عن أبي جعفر الباقر (عليه السلام) قالوا وليس لأحد منهم مال دون صاحبه يمطرون بالليل ويضحون بالنهار ويزرعون لا يصل إليهم منا أحد ولا منهم إلينا وهم على الحق قال ابن جريج بلغني أن بني إسرائيل لما قتلوا أنبياءهم وكفروا وكانوا اثنتي عشرة سبطا تبرأ سبط منهم مما صنعوا واعتذروا وسألوا الله أن يفرق بينهم وبينهم ففتح الله لهم نفقا من الأرض فساروا فيه سنة ونصف سنة حتى خرجوا من وراء الصين فهم هناك حنفاء مسلمون يستقبلون قبلتنا وقيل إن جبرائيل انطلق بالنبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) ليلة المعراج إليهم فقرأ عليهم من القرآن عشر سور نزلت بمكة ف آمنوا به وصدقوه وأمرهم أن يقيموا مكانهم ويتركوا السبت وأمرهم بالصلاة والزكاة ولم يكن نزلت فريضة غيرهما ففعلوا قال ابن عباس وذلك قوله وقلنا من بعده لبني إسرائيل أسكنوا الأرض فإذا جاء وعد الآخرة جئنا بكم لفيفا يعني عيسى بن مريم يخرجون معه وروى أصحابنا أنهم يخرجون مع قائم آل محمد وروي أن ذا القرنين رآهم وقال لو أمرت بالمقام لسرني أن أقيم بين أظهركم (وثانيها) أنهم قوم من بني إسرائيل تمسكوا بالحق وبشريعة موسى (عليه السلام) في وقت ضلالة القوم وقتلهم أنبياءهم وكان ذلك قبل نسخ شريعتهم بشريعة عيسى (عليه السلام) فيكون تقدير الآية ومن قوم موسى أمة كانوا يهدون بالحق عن أبي علي الجبائي وأنكر القول الأول وقال لو كانوا باقين لكانوا كافرين بجحد نبوة محمد (صلى الله عليه وآله وسلّم) وليس هذا بشيء لأنه لا يمتنع أن يكون قوم لم يبلغهم دعوة النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) فلا يحكم بكفرهم ويمكن أن يكون بلغهم خبر النبوة وآمنوا (وثالثها) أنهم الذين آمنوا بالنبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) مثل عبد الله بن سلاء وابن صوريا وغيرهما وفي حديث أبي حمزة الثمالي والحكم بن ظهير أن موسى (عليه السلام) لما أخذ الألواح قال رب إني لأجد في الألواح أمة هي خير أمة أخرجت للناس يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر فاجعلهم أمتي قال تلك أمة أحمد قال رب إني لأجد في الألواح أمة هم الآخرون في الخلق السابقون في دخول الجنة فاجعلهم أمتي قال تلك أمة أحمد قال رب إني لأجد في الألواح أمة كتبهم في صدورهم يقرءونها فاجعلهم أمتي قال تلك أمة أحمد قال رب إني لأجد في الألواح أمة يؤمنون بالكتاب الأول وبالكتاب الآخر ويقاتلون الأعور الكذاب فاجعلهم أمتي قال تلك أمة أحمد قال رب إني أجد في الألواح أمة إذا هم أحدهم بحسنة ثم لم يعملها كتبت له حسنة وإن عملها كتبت له عشرة أمثالها وإن هم بسيئة ولم يعملها لم يكتب عليه وإن عملها كتبت عليه سيئة واحدة فاجعلهم أمتي قال تلك أمة أحمد قال رب إني أجد في الألواح أمة هم الشافعون وهم المشفوع لهم فاجعلهم أمتي قال تلك أمة أحمد قال موسى رب اجعلني من أمة أحمد (صلى الله عليه وآله وسلّم) قال أبو حمزة فأعطي موسى آيتين لم يعطوها يعني أمة أحمد قال الله يا موسى إني اصطفيتك على الناس برسالاتي وبكلامي وقال ﴿ومن قوم موسى أمة يهدون بالحق وبه يعدلون﴾ قال فرضي موسى (عليه السلام) كل الرضا وفي حديث غير أبي حمزة قال إن النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) لما قرأ ﴿وممن خلقنا أمة يهدون بالحق وبه يعدلون﴾ هذه لكم وقد أعطى الله قوم موسى مثلها ﴿وقطعناهم اثنتي عشرة أسباطا أمما﴾ أي وفرقنا بني إسرائيل اثنتي عشرة فرقة أسباطا يعني أولاد يعقوب (عليه السلام) فإنهم كانوا اثني عشر وكان لكل واحد منهم أولاد ونسل فصار كل فرقة منهم سبطا وأمة وإنما جعلهم سبحانه أمما ليتميزوا في مشربهم ومطعمهم ويرجع كل أمة منهم إلى رئيسهم فيخف الأمر على موسى (عليه السلام) ولا يقع بينهم اختلاف وتباغض ﴿وأوحينا إلى موسى إذ استسقيه قومه﴾ أي طلبوا منه السقيا ﴿أن اضرب بعصاك الحجر فانبجست﴾ الانبجاس خروج الماء الجاري بقلة والانفجار خروجه بكثرة وكان يبتدىء الماء من الحجر بقلة ثم يتسع حتى يصير إلى الكثرة فلذلك ذكر هاهنا الانبجاس وفي سورة البقرة الانفجار والآية إلى آخرها مفسرة هناك فلا معنى لإعادته.