الآيـة 56

ثُمَّ بَعَثْنَاكُم مِّن بَعْدِ مَوْتِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ﴿56﴾

اللغة:

البعث إثارة الشيء من محله ومنه يقال بعث فلان راحلته إذا أثارها من مبركها للسير وبعثت فلانا لحاجتي إذا أقمته من مكانه الذي هو فيه للتوجيه إليها ومنه يقال ليوم القيامة يوم البعث لأنه يوم يثار الناس فيه من قبورهم لموقف الحساب وبعثته من نومه فانبعث أي نبهته فانتبه والبعث الجند يبعثون إلى وجه أو في أمر وأصل البعث الإرسال.

المعنى:

﴿ثم بعثناكم﴾ أي ثم أحييناكم ﴿من بعد موتكم﴾ لاستكمال آجالكم عن الحسن وقتادة وقيل أنهم سألوا بعد الإفاقة أن يبعثوا أنبياء فبعثهم الله أنبياء عن السدي فيكون معناه بعثناكم أنبياء وأجمع المفسرون إلا شرذمة يسيرة إن الله لم يكن أمات موسى كما أمات قومه ولكن غشي عليه بدلالة قوله فلما أفاق قال سبحانك تبت إليك والإفاقة إنما تكون من الغشيان وقوله ﴿لعلكم تشكرون﴾ أي لكي تشكروا الله على نعمه التي منها رده الحياة إليكم وفي هذا إثبات لمعجزة نبينا محمد (صلى الله عليه وآله وسلّم) واحتجاج على مشركي العرب الذين كانوا غير مؤمنين بالبعث لأنه كان يذكر لهم من أخبار الذين بعثهم الله في الدنيا فكان يوافقه على ذلك من يخالفه من اليهود والنصارى ويجب أن يكون هؤلاء القوم وإن أماتهم الله ثم أحياهم غير مضطرين إلى معرفة الله عند موتهم كما يضطر الواحد منا اليوم إلى معرفته عند الموت بدليل أن الله أعادهم إلى التكليف والمعرفة في دار التكليف لا تكون ضرورية بل تكون مكتسبة ولكن موتهم إنما كان في حكم النوم فأذهب الله عنهم الروح من غير مشاهدة منهم لأحوال الآخرة وليس في الإحياء بعد الإماتة ما يوجب الاضطرار إلى المعرفة لأن العلم بأن الإحياء بعد الإماتة لا يقدر عليه غير الله طريقه الدليل وليس الإحياء بعد الإماتة إلا قريبا من الانتباه بعد النوم والإفاقة بعد الإغماء في أن ذلك لا يوجب علم الاضطرار واستدل قوم من أصحابنا بهذه الآية على جواز الرجعة وقول من قال إن الرجعة لا تجوز إلا في زمن النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) ليكون معجزا له ودلالة على نبوته باطل لأن عندنا بل عند أكثر الأمة يجوز إظهار المعجزات على أيدي الأئمة والأولياء والأدلة على ذلك مذكورة في كتب الأصول وقال أبو القاسم البلخي لا تجوز الرجعة مع الإعلام بها لأن فيها إغراء بالمعاني من جهة الاتكال على التوبة في الكرة الثانية وجوابه أن من يقول بالرجعة لا يذهب إلى أن الناس كلهم يرجعون فيصير إغراء بأن يقع الاتكال على التوبة فيها بل لا أحد من المكلفين إلا ويجوز أن لا يرجع وذلك يكفي في باب الزجر.