سورة الفتح

﴿إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُّبِينًا * لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِن ذَنبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ وَيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَيَهْدِيَكَ صِرَاطًا مُّسْتَقِيمًا * وَيَنصُرَكَ اللَّهُ نَصْرًا عَزِيزًا﴾ (1-3).

س - ما هو الارتباط بين الفتح على النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) بصلح الحديبية أو فتح مكة وبين غفران ذنوبه؟

ج - الظاهر أنه ليس المراد من الذنب المعصية كيف! وهو (صلى الله عليه وآله وسلّم) معصوم من ذلك إذ لا يتجه الربط بين الفتح الإلهي الذي هو نعمة إضافية على النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) وبين غفران ذنبه. بل كأن المقصود من الذنب التبعاتُ والجرمُ الذي كان في أنفسهم بسبب أوهامهم وتصوراتهم الباطلة عن رسالة النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) ودعوته لهم، سواء القديمة منها عندما كان بين أظهرهم في مكة أم المتأخرة التي حدثت بعد الهجرة من مواقفه وحروبه معهم. فإن موقفه في صلح الحديبية واستعداده للسلم معهم واحترامه للبيت الحرام كشف عن زيف التهم والأوهام التي كانوا يحملونها عنه (صلى الله عليه وآله وسلّم) وعن رسالته، فيكون ذلك غفراناً من المغفرة بمعنى التغطية وإزالةً لتلك التهم وكشفاً لزيفها. وبهذا الوجه ينسجم ذيل الآية مع مقدَّمها ويتضح الارتباط بينهما.

﴿لِيُدْخِلَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَيُكَفِّرَ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ...﴾ (5).

س - ما هو الارتباط بين دخول المؤمنين الجنة وما قبله حتى جاءت لام التعليل؟

ج - بعد أن أنزل الله تعالى السكينة على المؤمنين فثبتوا وازدادوا إيماناً استحقوا رحمة الله وجنّّاته وكفّر عنهم سيئاتهم.

﴿لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ وَتُسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلا﴾ (9).

س - هل مرجع الضمائر في قوله: ﴿وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ وَتُسَبِّحُوهُ﴾ هو الله أو رسوله؟

ج - يمكن إرجاع الأولين للرسول، والأخير لله تعالى، ويمكن إرجاع الجميع لله تعالى، لأن التعزير بمعنى النصرة، فيكون نظير قوله تعالى: ﴿إِن تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ﴾(1)، والتوقير هو التعظيم، وقد ذمّ الله تعالى الكافرين بقوله: ﴿مَّا لَكُمْ لَا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقَارًا﴾(2) أي لا تعظمونه.

﴿سَيَقُولُ الْمُخَلَّفُونَ إِذَا انطَلَقْتُمْ إِلَى مَغَانِمَ لِتَأْخُذُوهَا ذَرُونَا نَتَّبِعْكُمْ يُرِيدُونَ أَن يُبَدِّلُوا كَلَامَ اللَّهِ قُل لَّن تَتَّبِعُونَا كَذَلِكُمْ قَالَ اللَّهُ مِن قَبْلُ...﴾ (15).

س - كيف يبدّلون كلام الله بخروجهم؟

ج - روى المؤرّخون أنّ النبي وعَد الذين خرجوا معه إلى الحديبية بعد الصلح أن يحصلوا على مغانم خيبر وخصّهم بها، فأراد المتخلّفون عن الحديبية أن يخرجوا إلى خيبر ليشاركوا في المغانم الموعودة خلافاً لما أراده الله تعالى.

﴿لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحًا قَرِيبًا﴾ (18).

س - هل تدلّ هذه الآية على أنّ أهل بيعة الشجرة مرضون عند الله تعالى؟

ج - الآية تدلّ على الرضا عنهم في موقفهم هذا، لا عن أشخاصهم مطلقاً، ولذلك قال: ﴿إِذْ يُبَايِعُونَكَ﴾ ليكون بدل اشتمال كما يسميه النحاة نظير قوله تعالى: ﴿وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ مَرْيَمَ إِذِ انتَبَذَتْ مِنْ أَهْلِهَا مَكَانًا شَرْقِيًّا﴾(3) أي اذكر وقت انتباذها. ويؤكد ما ذكرناه تخصيص الوعد الإلهي بالأجر والمغفرة ببعضهم في آخر هذه السورة: ﴿مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاء عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاء بَيْنَهُمْ... وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا﴾(4).

وعلى كلّ حال، فكان نتيجة موقفهم المرضي هذا أن أثابهم الفتح القريب والمغانم الكثيرة، بينما عاتبهم يوم حنين بعد ذلك حينما أعجبتهم كثرتهم وأخذهم الغرور فانهزموا: ﴿...وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنكُمْ شَيْئًا وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ الأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُم مُّدْبِرِينَ﴾(5).


1- تفسير العياشي : 2/ 135.

2- تفسير العياشي : 2/ 135.

3- تفسير العياشي : 2/ 135.

4- تفسير العياشي : 2/ 135.

5- تفسير العياشي : 2/ 135.