الآيات 123-126

قَالَ فِرْعَوْنُ آمَنتُم بِهِ قَبْلَ أَن آذَنَ لَكُمْ إِنَّ هَذَا لَمَكْرٌ مَّكَرْتُمُوهُ فِي الْمَدِينَةِ لِتُخْرِجُواْ مِنْهَا أَهْلَهَا فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ ﴿123﴾ لأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُم مِّنْ خِلاَفٍ ثُمَّ لأُصَلِّبَنَّكُمْ أَجْمَعِينَ ﴿124﴾ قَالُواْ إِنَّا إِلَى رَبِّنَا مُنقَلِبُونَ ﴿125﴾ وَمَا تَنقِمُ مِنَّا إِلاَّ أَنْ آمَنَّا بِآيَاتِ رَبِّنَا لَمَّا جَاءتْنَا رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْرًا وَتَوَفَّنَا مُسْلِمِينَ ﴿126﴾

القراءة:

قرأ حفص عن عاصم آمنتم بهمزة واحدة على الخبر حيث كان والباقون بهمزتين على الاستفهام إلا أن أهل الكوفة إلا حفصا يحققون الهمزتين وغيرهم حققوا الأولى ولينوا الثانية ولم يفصل أحد بين الهمزتين بألف.

الحجة:

وجه الخبر فيه أنه يخبرهم بإيمانهم على وجه التقريع لهم بإيمانهم والإنكار عليهم ووجه الاستفهام أنه على جهة التقريع والتوبيخ أيضا ومن حقق الهمزتين فإنه على ما يراه من تحقيقهما والهمزة الثانية ممدودة لأن الألف المنقلبة عن الهمزة التي هي فاء من الأمن يتصل بها ومن خفف الهمزة الثانية فتخفيفها أن يجعلها بين بين.

اللغة:

الصلب الشد على الخشبة وغيرها وأصله من صلابة الشيء والقراء كلهم على تشديد اللام من التصليب.

الأزهري يقال نقمت على الرجل أنقم ونقمت والفصيح نقمت.

ابن الأعرابي النقمة العقوبة والإنكار قال علي بن عيسى النقمة ضد النعمة والفرق بين النقمة والإساءة أن النقمة قد تكون بحق جزاء على كفر النعمة والإساءة لا تكون إلا قبيحة والمسيء مذموم لا محالة والإفراغ صب ما في الإناء أجمع حتى يخلو مشتق من الفراغ والصبر حبس النفس عن إظهار الجزع والصبر على الحق عز كما أن الصبر على الباطل ذل.

المعنى:

ثم حكى سبحانه ما صدر عن فرعون عند إيمان السحرة فقال سبحانه ﴿قال فرعون آمنتم به﴾ أي أقررتم له بالصدق من ﴿قبل أن آذن لكم﴾ أي من قبل أن آمركم بإيمان وآذن لكم في ذلك ﴿إن هذا لمكر مكرتموه في المدينة لتخرجوا منها أهلها﴾ أراد فرعون بهذا القول التلبيس على الناس وإيهامهم أن إيمان السحرة لم يكن عن علم ولكن لتواطؤ منهم ليذهبوا مالكم وملككم وقيل معناه إن هذا لصنيع صنعتموه فيما بينكم وبين موسى في مصر قبل خروجكم إلى هذا الموضع لتستولوا على مصر فتخرجوا منها أهلها ﴿فسوف تعلمون﴾ عاقبة أمركم وهذا وعيد لهم ثم بين الوعيد فقال ﴿لأقطعن أيديكم وأرجلكم من خلاف﴾ أي من كل شق طرفا قال الحسن هو أن يقطع اليد اليمني مع الرجل اليسرى وكذلك اليد اليسرى مع الرجل اليمني ﴿ثم لأصلبنكم أجمعين﴾ أي لا أدع واحدا منكم إلا صلبته وقيل إن أول من قطع الرجل وصلب فرعون صلبهم في جذوع النخل على شاطىء نهر مصر ﴿قالوا﴾ يعني السحرة جوابا لفرعون ﴿إنا إلى ربنا منقلبون﴾ أي راجعون إلى ربنا بالتوحيد والإخلاص عن ابن عباس والانقلاب إلى الله تعالى هو الانقلاب إلى جزائه وغرضهم بهذا القول التسلي في الصبر على الشدة لما فيه من المثوبة مع مقابلة وعيده بوعيد أشد منه وهو عقاب الله ﴿وما تنقم منا إلا أن آمنا بآيات ربنا لما جاءتنا﴾ معناه وما تطعن علينا وما تكره منا إلا إيماننا بالله وتصديقنا ب آياته التي جاءتنا قال ابن عباس معناه ما لنا عندك من ذنب ولا ركبنا منك مكروها تعذبنا عليه إلا إيماننا ب آيات ربنا وهي ما أتي به موسى (عليه السلام) آمنوا بها أنها من عند الله لا يقدر على مثلها إلا هو ﴿ربنا أفرغ علينا صبرا﴾ أي اصبب علينا الصبر عند القطع والصلب حتى لا نرجع كفارا والمراد الطف لنا حتى نتصبر على عذاب فرعون ونتشجع عليه ولا نفزع منه ﴿وتوفنا مسلمين﴾ أي وفقنا للثبات على الإيمان والإسلام إلى وقت الوفاة وقيل مسلمين مخلصين لله حتى لا يردنا البلاء عن ديننا قالوا فصلبهم فرعون من يومه فكانوا أول النهار كفارا سحرة وآخر النهار شهداء بررة وقيل أيضا إنه لم يصل إليهم وعصمهم الله منه.