الآيات 46-47

وَبَيْنَهُمَا حِجَابٌ وَعَلَى الأَعْرَافِ رِجَالٌ يَعْرِفُونَ كُلاًّ بِسِيمَاهُمْ وَنَادَوْاْ أَصْحَابَ الْجَنَّةِ أَن سَلاَمٌ عَلَيْكُمْ لَمْ يَدْخُلُوهَا وَهُمْ يَطْمَعُونَ ﴿46﴾ وَإِذَا صُرِفَتْ أَبْصَارُهُمْ تِلْقَاء أَصْحَابِ النَّارِ قَالُواْ رَبَّنَا لاَ تَجْعَلْنَا مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ ﴿47﴾

اللغة:

الحجاب الحاجز المانع من الإدراك ومنه قيل للضرير محجوب وحاجب الأمير وحاجب العير والأعراف الأمكنة المرتفعة أخذ من عرف الفرس ومنه عرف الديك وكل مرتفع من الأرض عرف لأنه بظهوره أعرف مما انخفض قال الشماخ:

وظلت بأعراف تعالى كأنها

رماح نحاها وجهة الريح راكز وقال آخر:

كل كناز لحمه نياف

كالعلم الموفي على الأعراف

يعني نشوزا من الأرض والسيماء العلامة وهي فعلى من سام إبله يسومها إذا أرسلها في المرعى معلمة وهي السائمة وقيل إن وزنه عفلى من وسمت فقلبت كما قالوا له جاه في الناس وأصله وجه وكما قالوا اضمحل وامضحل وأرض خامة أي وخمة وفيه ثلاث لغات سيما وسيماء بالقصر والمد وسيمياء على زنة كبرياء قال الشاعر:

له سيمياء ما يشق على البصر

والتلقاء جهة اللقاء وهي جهة المقابلة ولذلك كان ظرفا من ظروف المكان تقول هو تلقاءك نحو هو حذاءك والأبصار جمع بصر وهو الحاسة التي يدرك بها المبصر وقد يستعمل بمعنى المصدر ويقال له بصر بالأشياء أي علم بها وهو بصير بالأمور أي عالم.

المعنى:

ثم ذكر سبحانه الفريقين في الجزاء فقال ﴿وبينهما حجاب﴾ أي بين الفريقين أهل الجنة وأهل النار ستر وهو الأعراف والأعراف سور بين الجنة والنار عن ابن عباس ومجاهد والسدي وفي التنزيل فضرب بينهم بسور له باب باطنه فيه الرحمة وظاهره من قبله العذاب وقيل الأعراف شرف ذلك السور عن الجبائي وقيل الأعراف الصراط عن الحسن بن الفضل ﴿وعلى الأعراف رجال﴾ اختلف في المراد بالرجال هنا على أقوال فقيل إنهم قوم استوت حسناتهم وسيئاتهم فحالت حسناتهم بينهم وبين النار وحالت سيئاتهم بينهم وبين الجنة فجعلوا هناك حتى يقضي الله فيهم ما شاء ثم يدخلهم الجنة عن ابن عباس وابن مسعود وذكر أن بكر بن عبد الله المزني قال للحسن بلغني أنهم قوم استوت حسناتهم وسيئاتهم فضرب الحسن يده على فخذه ثم قال هؤلاء قوم جعلهم الله على تعريف أهل الجنة والنار يميزون بعضهم من بعض والله لا أدري لعل بعضهم معنا في هذا البيت وقيل إن الأعراف موضع عال على الصراط عليه حمزة والعباس وعلي وجعفر يعرفون محبيهم ببياض الوجوه ومبغضيهم بسواد الوجوه عن الضحاك عن ابن عباس رواه الثعلبي بالإسناد في تفسيره وقيل إنهم الملائكة في صورة الرجال يعرفون أهل الجنة والنار ويكونون خزنة الجنة والنار جميعا أو يكونون حفظة الأعمال الشاهدين بها في الآخرة عن أبي مجلز وقيل إنهم فضلاء المؤمنين عن الحسن ومجاهد وقيل إنهم الشهداء وهم عدول الآخرة عن الجبائي وقال أبو جعفر الباقر (عليه السلام) هم آل محمد (صلى الله عليه وآله وسلّم) لا يدخل الجنة إلا من عرفهم وعرفوه ولا يدخل النار إلا من أنكرهم وأنكروه وقال أبو عبد الله جعفر بن محمد (عليهما السلام) الأعراف كثبان بين الجنة والنار فيقف عليها كل نبي وكل خليفة نبي مع المذنبين من أهل زمانه كما يقف صاحب الجيش مع الضعفاء من جنده وقد سيق المحسنون إلى الجنة فيقول ذلك الخليفة للمذنبين الواقفين معه انظروا إلى إخوانكم المحسنين قد سيقوا إلى الجنة فيسلم المذنبون عليهم وذلك قوله ﴿ونادوا أصحاب الجنة أن سلام عليكم﴾ ثم أخبر سبحانه أنهم لم يدخلوها وهم يطمعون يعني هؤلاء المذنبين لم يدخلوا الجنة وهم يطمعون أن يدخلهم الله إياها بشفاعة النبي والإمام وينظر هؤلاء المذنبون إلى أهل النار فيقولون ﴿ربنا لا تجعلنا مع القوم الظالمين﴾ ثم ينادي أصحاب الأعراف وهم الأنبياء والخلفاء أهل النار مقرعين لهم ما أغنى عنكم جمعكم وما كنتم تستكبرون أ هؤلاء الذين أقسمتم يعني أهؤلاء المستضعفين الذين كنتم تحقرونهم تستطيلون بدنياكم عليهم ثم يقولون لهؤلاء المستضعفين عن أمر من الله لهم بذلك ادخلوا الجنة لا خوف عليكم ولا أنتم تحزنون ويؤيده ما رواه عمر بن شيبة وغيره أن عليا (عليه السلام) قسيم النار والجنة ورواه أيضا بإسناده عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) أنه قال يا علي كأني بك يوم القيامة وبيدك عصا عوسج تسوق قوما إلى الجنة وآخرين إلى النار وروى أبو القاسم الحسكاني بإسناده رفعه إلى الأصبغ بن نباتة قال كنت جالسا عند علي (عليه السلام) فأتاه ابن الكوا فسأله عن هذه الآية فقال ويحك يا ابن الكوا نحن نقف يوم القيامة بين الجنة والنار فمن ينصرنا عرفناه بسيماه فأدخلناه الجنة ومن أبغضنا عرفناه بسيماه فأدخلناه النار وقوله ﴿يعرفون كلا بسيماهم﴾ يعني هؤلاء الرجال الذين هم على الأعراف يعرفون جميع الخلق بسيماهم يعرفون أهل الجنة بسيماء المطيعين وأهل النار بسيماء العصاة ﴿ونادوا أصحاب الجنة﴾ يعني هؤلاء الذين على الأعراف ينادون بأصحاب الجنة ﴿أن سلام عليكم﴾ وهذا تسليم وتهنئة وسرور بما وهب الله لهم ﴿لم يدخلوها﴾ أي لم يدخلوا الجنة بعد عن ابن عباس وابن مسعود والحسن وقتادة ﴿وهم يطمعون﴾ أن يدخلوها وقيل إن الطمع هاهنا طمع يقين مثل قول إبراهيم والذي أطمع أن يغفر لي خطيئتي وهو قول الحسن وأبي علي الجبائي ﴿وإذا صرفت أبصارهم﴾ يعني أبصار الذين على الأعراف ﴿تلقاء أصحاب النار﴾ إلى جهنم فنظروا إليهم وإنما قال صرفت أبصارهم لأن نظرهم نظر عداوة فلا ينظرون إليهم إلا إذا صرفت وجوههم إليهم ﴿قالوا ربنا لا تجعلنا مع القوم الظالمين﴾ أي لا تجمعنا وإياهم في النار وروي أن في قراءة عبد الله بن مسعود وسالم وإذا قلبت أبصارهم تلقاء أصحاب النار قالوا ربنا عائذا بك أن تجعلنا مع القوم الظالمين وروي ذلك عن أبي عبد الله (عليه السلام).