الآيات 14-17

قَالَ أَنظِرْنِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ ﴿14﴾ قَالَ إِنَّكَ مِنَ المُنظَرِينَ ﴿15﴾ قَالَ فَبِمَا أَغْوَيْتَنِي لأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ ﴿16﴾ ثُمَّ لآتِيَنَّهُم مِّن بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَن شَمَآئِلِهِمْ وَلاَ تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ ﴿17﴾

اللغة:

الإنظار والإمهال والتأخير والتأجيل نظائر وبينها فروق وضد الإمهال الإعجال والبعث الإطلاق في الأمر والانبعاث الانطلاق والبعث والحشر والنشر والجمع نظائر.

الإعراب:

﴿لأقعدن﴾ جواب للقسم والقسم محذوف لأن غرضه بالكلام التأكيد وهو ضد قوله ﴿(صلى الله عليه وآله وسلّم) والقرآن ذي الذكر﴾ فإنه حذف الجواب هناك وبقي القسم لأن الغرض تعظيم المقسم به ونصب ﴿صراطك﴾ على الحذف دون الظرف وتقديره على صراطك كما قيل ضرب زيد الظهر والبطن أي على الظهر والبطن قال الشاعر:

لدن بهز الكف يعسل متنه

فيه كما عسل الطريق الثعلب وقال آخر:

كأني إذا أسعى لأظفر طائرا

مع النجم في جو السماء يصوب أي لأظفر على طائر.

المعنى:

﴿قال﴾ يعني إبليس ﴿أنظرني﴾ أي أمهلني وأخرني في الأجل ولا تمتني ﴿إلى يوم يبعثون﴾ أي يبعث الخلق من قبورهم للجزاء وقيل معناه أنظرني في الجزاء إلى يوم القيامة فكأنه خاف أن يعاجله الله سبحانه بالعقوبة يدل عليه قوله ﴿إلى يوم يبعثون﴾ ولم يقل إلى يوم يموتون ومعلوم أن الله تعالى لا يبقي أحدا حيا إلى يوم القيامة قال الكلبي أراد الخبيث أن لا يذوق الموت في النفخة الأولى مع من يموت فأجيب بالأنظار إلى يوم الوقت المعلوم وهي النفخة الأولى ليذوق الموت بين النفختين وهو أربعون سنة وأما الوجه في مسألة إبليس الأنظار مع علمه بأنه مطرود ملعون فعلمه بأنه سبحانه يظاهر إلى عباده بالنعم ويعمهم بالفضل والكرم فلم يصرفه ارتكابه المعصية عن المسألة والطمع في الإجابة ﴿قال﴾ أي قال الله سبحانه لإبليس ﴿إنك من المنظرين﴾ أي من المؤخرين ﴿قال﴾ إبليس لما لعنه الله وطرده ثم سأله الأنظار فأجابه الله تعالى إلى شيء منه ﴿فبما أغويتني﴾ أي فبالذي أغويتني قيل في معناه أقوال (أحدها) أن معناه بما خيبتني من رحمتك وجنتك كما قال الشاعر:

فمن يلق خيرا يحمد الناس أمره

ومن يغو لا يعدم على الغي لائما أي من يخب (وثانيها) أن المراد امتحنتني بالسجود لآدم فغويت عنده فلذلك قال أغويتني كما قال ﴿فزادتهم رجسا إلى رجسهم﴾ (وثالثها) أن معناه حكمت بغوايتي كما يقال أضللتني أي حكمت بضلالتي عن ابن عباس وابن زيد (ورابعها) أن معناه أهلكتني بلعنك إياي كما قال الشاعر:

معطفة الأثناء ليس فصيلها

برازئها درا ولا ميت غوي أي ولا ميت هلاكا بالقعود عن شرب اللبن ومنه قوله ﴿فسوف يلقون غيا﴾ أي هلاكا وقالوا غوي الفصيل إذا فقد اللبن فمات والمصدر غوى مقصور (وخامسها) أن يكون الكلام على ظاهره من الغواية ولا يبعد أن يكون إبليس قد اعتقد أن الله تعالى يغوي الخلق بأن يضلهم ويكون ذلك من جملة ما كان اعتقده من الشر ﴿لأقعدن﴾ أي لأجلسن ﴿لهم﴾ أي لأولاد آدم ﴿صراطك المستقيم﴾ أي على طريقك المستوي وهو طريق الحق لأصدنهم عنه بالإغواء حتى أصرفهم إلى طريق الباطل كيدا لهم وعداوة وقول من قال إنه لو كان ما يفعل به الإيمان هو بعينه ما يفعل به الكفر لكان قوله ﴿فبما أغويتني﴾ مساويا لقوله فيما أصلحتني يفسد بأن صفة الآلة إذا وقع بها الكفر صفتها إذا وقع بها الإيمان وإن كانت الآلة واحدة كما أن السيف واحد ويصلح لأن يستعمل في قتل المؤمن كما يصلح أن يستعمل في قتل الكافر ولا يجب من ذلك أن تكون الصفتان واحدة من أجل أنه واحد فلا يمتنع أن يكون متى استعملت آلة الإيمان في الضلال والكفر تسمى إغواء وإن استعمل في الإيمان سميت هداية وإن كان ما يصح به الإيمان هو بعينه ما يصح به الكفر والضلال ﴿ثم لآتينهم من بين أيديهم ومن خلفهم وعن أيمانهم وعن شمائلهم﴾ قيل في ذلك أقوال (أحدها) أن المعنى من قبل دنياهم وآخرتهم ومن جهة حسناتهم وسيئاتهم عن ابن عباس وقتادة والسدي وابن جريج وتلخيصه إني أزين لهم الدنيا وأخوفهم بالفقر وأقول لهم لا جنة ولا نار ولا بعث ولا حساب وأثبطهم عن الحسنات وأشغلهم عنها وأحبب إليهم السيئات وأحثهم عليها قال ابن عباس وإنما لم يقل ومن فوقهم لأن فوقهم جهة نزول الرحمة من السماء فلا سبيل له إلى ذلك ولم يقل من تحت أرجلهم لأن الإتيان منه موحش (وثانيها) أن معنى ﴿من بين أيديهم﴾ و﴿عن أيمانهم﴾ من حيث يبصرون و﴿من خلفهم﴾ و﴿عن شمائلهم﴾ من حيث لا يبصرون عن مجاهد (وثالثها) ما روي عن أبي جعفر (عليه السلام) قال ﴿ثم لآتينهم من بين أيديهم﴾ معناه أهون عليهم أمر الآخرة ﴿ومن خلفهم﴾ آمرهم بجمع الأموال والبخل بها عن الحقوق لتبقى لورثتهم ﴿وعن أيمانهم﴾ أفسد عليهم أمر دينهم بتزيين الضلالة وتحسين الشبهة ﴿وعن شمائلهم﴾ بتحبيب اللذات إليهم وتغليب الشهوات على قلوبهم وإنما دخلت من في القدام والخلف وعن في اليمين والشمال لأن في القدام والخلف معنى طلب النهاية وفي اليمين والشمال الانحراف عن الجهة ﴿ولا تجد أكثرهم شاكرين﴾ هذا إخبار من إبليس إن الله تعالى لا يجد أكثر خلقه شاكرين وقيل إنه يمكن أن يكون قد قال ذلك من أحد وجهين إما من جهة الملائكة بإخبار الله تعالى إياهم وإما عن ظن منه كما قال سبحانه ﴿ولقد صدق عليهم إبليس ظنه﴾ فإنه لما استنزل آدم ظن أن ذريته أيضا سيجيبونه لكونهم أضعف منه والقول الأول اختيار الجبائي والثاني عن الحسن وأبي مسلم.