الآيات 11-12

وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لاَ تُفْسِدُواْ فِي الأَرْضِ قَالُواْ إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ ﴿11﴾ أَلا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَلَكِن لاَّ يَشْعُرُونَ ﴿12﴾

القراءة:

قرأ الكسائي قيل وغيض وسيء وسيئت وحيل وسيق وجيء بضم أوائل ذلك كله وروي عن يعقوب مثل ذلك ووافقهما نافع في سيء وسيئت وابن عامر فيهما وفي حيل وسيق والباقون يكسرون كلها.

الحجة:

في هذه كلها ثلاث لغات الكسر وإشمام الضم وقول بالواو فأما قيل بالكسر فعلى نقل حركة العين إلى الفاء لأن أصله قول ثم قلبت الواو ياء لسكونها وانكسار ما قبلها وهو قياس مطرد في كل ما اعتلت عينه وأما الإشمام فلأجل الدلالة على الأصل مع التخفيف.

اللغة:

الإفساد إحداث الفساد وهو كل ما تغير عن استقامة الحال والصلاح نقيض الفساد والأرض مستقر الحيوان ويقال لقوائم الفرس أرض لأنه يستقر عليها قال:

إذا ما استحمت أرضه من سمائه

جرى وهو مودوع وواعد مصدق.

الإعراب:

إذا لفظة وضعت للوقت بشرط أن يكون ظرفا زمانيا وفيها معنى الشرط وإنما يعمل فيها جوابها ففي هذه الآية إذا في محل نصب لأنه ظرف قالوا لأنه الجواب ولا يجوز أن يعمل فيه قيل لهم لأن إذا في التقدير مضاف إلى قيل والمضاف إليه لا يعمل في المضاف وكذلك قوله ﴿وإذا لقوا الذين آمنوا قالوا آمنا﴾ وإذا مبني وإنما بني لتضمنه معنى في ولزومه إياه وقد يكون إذا ظرفا مكانيا في نحو قولك خرجت فإذا الناس وقوف أي ففي المكان الناس وقوف ويجوز أن ينصب وقوفا على الحال لأن ظرف المكان يجوز أن يكون خبرا عن الجثة وقيل مبني على الفتح وكذلك كل فعل ماض فمبني على الفتح ولا حرف نهي وهي تعمل الجزم في الفعل وتفسدوا مجزوم بلا وعلامة الجزم فيه سقوط النون والواو ضمير الفاعلين وما في قوله ﴿إنما﴾ كافة كفت إن عن العمل فعاد ما بعدها إلى ما كان عليه في الأصل من كونه مبتدأ وخبرا وهو قوله ﴿نحن مصلحون﴾ فنحن مبتدأ ومصلحون خبره وموضع الجملة نصب بقالوا كما تقول قلت حقا أو باطلا ونحن مبنية لمشابهتها للحروف وبنيت على الضم لأنها من ضمائر الرفع والضمة علامة الرفع لأنها ضمير الجمع والضمة بعض الواو والواو علامة الجمع في نحو ضاربون ويضربون وقوله ﴿لا تفسدوا في الأرض﴾ جملة في موضع رفع على تقدير قيل لهم شيء فهي اسم ما لم يسم وقوله إلا كلمة تنبيه وافتتاح للكلام تدخل على كل كلام مكتف بنفسه نحو قوله إلا أنهم من إفكهم ليقولون ولد الله وأصله لا دخل عليه ألف الاستفهام والألف إذا دخل على الجحد أخرجه إلى معنى التقرير والتحقيق كقوله ﴿أليس ذلك بقادر على أن يحيي الموتى﴾ لأنه لا يجوز للمجيب إلا الإقرار ببلى وهم في إنهم في موضع نصب بأن وهم الآخر يجوز أن يكون فصلا على ما فسرناه قبل ويجوز أن يكون مبتدأ والمفسدون خبره والجملة خبر إن وضم الميم من هم لالتقاء الساكنين ردوه إلى الأصل.

النزول:

الآية نزلت في المنافقين الذين نزلت فيهم الآيات المتقدمة وروي عن سلمان رضي الله عنه أن أهل هذه الصفة لم يأتوا بعد والأول يقتضيه نظم الكلام ويجوز أن يراد بها من صورتهم صورة هؤلاء فيكون قول سلمان محمولا على أنه أراد بعد انقراض المنافقين الذين تناولتهم الآية.

المعنى:

المراد ﴿وإذا قيل﴾ للمنافقين ﴿لا تفسدوا في الأرض﴾ بعمل المعاصي وصد الناس عن الإيمان على ما روي عن ابن عباس أو بممالأة الكفار فإن فيه توهين الإسلام على ما قاله أبو علي أو بتغيير الملة وتحريف الكتاب على ما قاله الضحاك ﴿قالوا إنما نحن مصلحون﴾ وهو يحتمل أمرين أحدهما أن الذي يسمونه فسادا هو عندنا صلاح لأنا إنما نفعل ذلك كي نسلم من الفريقين والآخر أنهم جحدوا ذلك وقالوا أنا لا نعمل بالمعاصي ولا نمالىء الكفار ولا نحرف الكتاب وكان ذلك نفاقا منهم كما قالوا ﴿آمنا بالله﴾ ولم يؤمنوا ثم قال إلا أنهم أي اعلموا أن هؤلاء المنافقين الذين يعدون الفساد صلاحا ﴿هم المفسدون﴾ وهذا تكذيب من الله تعالى لهم ﴿ولكن لا يشعرون﴾ أي لا يعلمون أن ما يفعلونه فساد وليس بصلاح ولو علموا ذلك لرجي صلاحهم وقيل لا يعلمون ما يستحقونه من العقاب وهذه الآية تدل على بطلان مذهب أصحاب المعارف لقوله ﴿لا يعلمون﴾ وإنما جاز تكليفهم وإن لم يشعروا أنهم على ضلال لأن لهم طريقا إلى العلم بذلك.