الآيـة 199

وَإِنَّ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَمَن يُؤْمِنُ بِاللّهِ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْكُمْ وَمَآ أُنزِلَ إِلَيْهِمْ خَاشِعِينَ لِلّهِ لاَ يَشْتَرُونَ بِآيَاتِ اللّهِ ثَمَنًا قَلِيلاً أُوْلَئِكَ لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ إِنَّ اللّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ ﴿199﴾

اللغة:

أصل الخشوع السهولة من قولهم الخشعة وهي السهودة في الرمل كالربوة والخاشع من الأرض الذي لا يهتدي له لأن الرمل يعفي آثاره والخاشع الخاضع ببصره والخشوع هو التذلل خلاف التصعب.

الإعراب:

خاشعين نصب على الحال من الضمير في يؤمن وهو عائد إلى من وقيل هو حال من الضمير في ﴿أنزل إليهم﴾ المجرور بالي والأول أحسن.

النزول:

اختلفوا في نزولها فقيل نزلت في النجاشي ملك الحبشة واسمه أصحمة وهو بالعربية عطية وذلك أنه لما مات نعاه جبرائيل لرسول الله في اليوم الذي مات فيه فقال رسول الله أخرجوا فصلوا على أخ لكم مات بغير أرضكم قالوا ومن؟ قال النجاشي فخرج رسول الله إلى البقيع وكشف له من المدينة إلى أرض الحبشة فأبصر سرير النجاشي وصلى عليه فقال المنافقون انظروا إلى هذا يصلي على علج نصراني حبشي لم يره قط وليس على دينه فأنزل الله هذه الآية عن جابر بن عبد الله وابن عباس وأنس وقتادة وقيل نزلت في أربعين رجلا من أهل نجران من بني الحرث بن كعب واثنين وثلاثين من أرض الحبشة وثمانية من الروم كانوا على دين عيسى ف آمنوا بالنبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) عن عطاء وقيل نزلت في جماعة من اليهود كانوا أسلموا منهم عبد الله بن سلام ومن معه عن ابن جريج وابن زيد وابن إسحاق وقيل نزلت في مؤمني أهل الكتاب كلهم لأن الآية قد تنزل على سبب وتكون عامة في كل ما يتناوله عن مجاهد.

المعنى:

لما ذم تعالى أهل الكتاب فيما تقدم وصف طائفة منهم بالإيمان وإظهار الحق والصدق فقال ﴿وإن من أهل الكتاب﴾ أي من اليهود والنصارى ﴿لمن يؤمن بالله﴾ أي يصدق بالله ويقر بوحدانيته ﴿وبما أنزل إليكم﴾ أيها المؤمنون وهو القرآن ﴿وما أنزل إليهم﴾ وهو التوراة والإنجيل ﴿خاشعين لله﴾ أي خاضعين له مستكينين له بالطاعة متذللين بها قال ابن زيد الخاشع المتذلل الخائف وقال الحسن الخشوع الخوف اللازم للقلب من الله ﴿لا يشترون بآيات الله ثمنا قليلا﴾ أي لا يأخذون عوضا يسيرا على تحريف الكتاب وكتمان الحق من الرشى والمأكل كما فعله غيرهم ممن وصفهم تعالى في قوله ﴿أولئك الذين اشتروا الضلالة﴾ بالهدى ولكن ينقادون إلى الحق يعملون بما أمرهم الله به وينتهون عما نهاهم عنه ثم قال ﴿أولئك﴾ يعني هؤلاء الذين وصفناهم ﴿لهم أجرهم عند ربهم﴾ معناه لهم ثواب أعمالهم وأجر طاعاتهم عند الله مذخور حتى يوفيهم الله يوم القيامة ﴿إن الله سريع الحساب﴾ وصف الحساب بالسرعة لأنه تعالى لا يؤخر الجزاء عمن يستحقه بطول الحساب لأنه لا يخفى عليه شيء من أعمالهم قبل أن يعملوها وبعد أن عملوها فلا حاجة به إلى إحصاء عدد فيقع في الإحصاء إبطاء وقيل معناه أنه يحاسب كل الخلق معا فإذا حاسب واحدا فقد حاسب الجميع لأنه قادر على أن يكلمهم في حالة واحدة كل واحد بكلام يخصه لأنه القادر لنفسه عن أبي علي الجبائي وإنما خص الله تعالى هذه الطائفة بالوعيد ليبين أن جزاء أعمالهم موفر عليهم ولا يضرهم كفر من كفر منهم.