الآيات 183-184

الَّذِينَ قَالُواْ إِنَّ اللّهَ عَهِدَ إِلَيْنَا أَلاَّ نُؤْمِنَ لِرَسُولٍ حَتَّىَ يَأْتِيَنَا بِقُرْبَانٍ تَأْكُلُهُ النَّارُ قُلْ قَدْ جَاءكُمْ رُسُلٌ مِّن قَبْلِي بِالْبَيِّنَاتِ وَبِالَّذِي قُلْتُمْ فَلِمَ قَتَلْتُمُوهُمْ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ ﴿183﴾ فَإِن كَذَّبُوكَ فَقَدْ كُذِّبَ رُسُلٌ مِّن قَبْلِكَ جَآؤُوا بِالْبَيِّنَاتِ وَالزُّبُرِ وَالْكِتَابِ الْمُنِيرِ ﴿184﴾

القراءة:

قرأ ابن عامر وحده وبالزبر بالباء وكذلك هي في مصاحف الشام كما في فاطر والباقون بغير باء.

الحجة:

من حذف فلأن واو العطف أغنت عن تكرار العامل ومن أثبتها فإنما كرر العامل تأكيدا وكلاهما حسن.

اللغة:

القربان مصدر على وزن عدوان وخسران تقول قربت قربانا وقد يكون اسما كالبرهان والسلطان وهو كل بر يتقرب به العبد إلى الله والزبر جمع زبور وكل كتاب فيه حكمة فهو زبور قال امرؤ القيس:

لمن طلل أبصرته فشجاني

كخط زبور في عسيب يمان

تقول زبرت الكتاب إذا كتبته وزبرت الرجل إذا زجرته والزبرة مجتمع الشعر على كتف الأسد وزبرت البئر إذا أحكمت طيها بالحجارة فهي مزبورة والزبر العقل وإنما جمع بين الزبر والكتاب ومعناهما واحد لأن أصلهما يختلف هو كتاب بضم حروف بعضها إلى بعض وزبور لما فيه من الزجر على خلاف الحق وإنما سمي كتاب داود زبورا لكثرة ما فيه من المواعظ والزواجر.

الإعراب:

﴿الذين قالوا﴾ محله جر ردا على الذين قالوا إن الله فقير على تقدير وسمع قول الذين.

النزول:

قيل نزلت الآية في جماعة من اليهود منهم كعب بن الأشرف ومالك بن الضيف ووهب بن يهودا وفنحاص بن عازورا قالوا يا محمد (صلى الله عليه وآله وسلّم) إن الله عهد إلينا في التوراة أن لا نؤمن لرسول حتى يأتينا بقربان تأكله النار فإن زعمت أن الله بعثك إلينا فجئنا به نصدقك فأنزل الله هذه الآية عن الكلبي وقيل إن الله أمر بني إسرائيل في التوراة من جاءكم يزعم أنه نبي فلا تصدقوه حتى يأتي بقربان تأكله النار حتى يأتيكم عيسى ومحمد فإذا أتياكم ف آمنوا بهما بغير قربان.

المعنى:

ثم ذكر قولهم الآخر فقال ﴿الذين قالوا﴾ لنبيهم ﴿إن الله عهد إلينا﴾ أي أمرنا وقيل أوصانا في كتبه وعلى ألسن رسله ﴿ألا نؤمن لرسول﴾ أي لا نصدق رسولا فيما يقول من أنه جاء به من عند الله تعالى ﴿حتى يأتينا بقربان﴾ أي حتى يجيئنا بما يتقرب به إلى الله من صدقة أو بر تتقبل منه وقوله ﴿تأكله النار﴾ بيان لعلامة التقبل فإنه كان علامة قبول قربانهم أن تنزل النار من السماء فتأكله وكان يكون ذلك دلالة على صدق المقرب فيما ادعاه عن ابن عباس ﴿قل﴾ يا محمد لهؤلاء اليهود ﴿قد جاءكم رسل من قبلي﴾ يعني جاء أسلافكم ﴿بالبينات﴾ أي بالحجج الدالة على صدقهم وصحة رسالتهم وحقيقة قولهم كما كنتم تقترحون وتطلبون منهم ﴿و بالذي قلتم﴾ معناه وبالقربان الذي قلتم ﴿فلم قتلتموهم﴾ أراد بذلك زكريا ويحيى وجميع من قتلهم اليهود من الأنبياء يعني لم قتلتموهم وأنتم مقرون بأن الذي جاءوكم به من ذلك كان حجة لهم عليكم ﴿إن كنتم صادقين﴾ فيما عهد إليكم مما ادعيتموه وهذا تكذيب لهم في قولهم ودلالة على عنادهم وعلى أن النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) لو أتاهم بالقربان المتقبل كما أرادوه لم يؤمنوا به كما لم يؤمن آباؤهم بالأنبياء الذين أتوا به وبغيره من المعجزات وإنما لم يقطع الله عذرهم بما سألوه من القربان الذي تأكله النار لعلمه تعالى بأن في الإتيان به مفسدة لهم والمعجزات تابعة للمصالح ولأن ذلك اقتراح في الأدلة على الله والذي يلزم في ذلك أن يزيح علتهم بنصب الأدلة فقط ﴿فإن كذبوك فقد كذب رسل من قبلك﴾ هذا تسلية للنبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) في تكذيب الكفار إياه وذلك بأنه تعالى أخبر بأنه ليس بأول مكذب من الرسل بل كذب قبله رسل ﴿جاءوا بالبينات﴾ أي بالمعجزات الباهرات ﴿والزبر﴾ أي الكتب التي فيها الحكم والزواجر ﴿والكتاب المنير﴾ قيل المراد به التوراة والإنجيل لأن اليهود كذبت عيسى وما جاء به من الإنجيل وحرفت ما جاء به موسى من صفة النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) وبدلت عهده إليهم فيه والنصارى أيضا جحدت ما في الإنجيل من نعته وغيرت ما أمرهم به فيه والمنير الذي ينير الحق لمن اشتبه عليه وقيل المنير الهادي إلى الحق.