سورة الأحزاب

﴿يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ اتَّقِ اللَّهَ وَلَا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَالْمُنَافِقِينَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا﴾ (1).

س - هل كان يحتمل في حق النبي أن يطيع الكافرين والمنافقين ولا يتقي الله حتى يخاطب بذلك؟

ج - كلاّ، وإنما هو أسلوب بليغ لتأكيد موقف السماء من طاعة الكافرين والمنافقين ومداراتهم على حساب العقيدة وتعاليم الرسالة، لأنه مع ورود هذا الخطاب الحاسم للرسول لا يبقى مجال لتوهم الكافرين بإمكانية مداراته لهم وزيغه عن طاعة الله.

﴿مَّا جَعَلَ اللَّهُ لِرَجُلٍ مِّن قَلْبَيْنِ فِي جَوْفِهِ...﴾ (4).

س - ما هي الفائدة من بيان ذلك مع وضوحه لجميع الناس؟

ج - كأنّه إشارة إلى انّ لكل إنسان موقفاً وعقيدة واحدة محدّدة، لأنّ له عقلاً واحداً، ولا يمكن الجمع بين الاتجاهات والأفكار المتضادة كالإيمان والكفر.

وقيل: إن الآية نزلت في أبي معمّر وهو من أحفظ العرب وأرواهم وكان يقول: إنّ لي قلبين، أفهم بأحدهما أكثر مما يفهم محمّد. فرُوي أنه انهزم يوم بدر، فمرّ بأبي سفيان، وهو معلِّق إحدى نعليه بيده والأخرى في رجله، فقال له: ما فعل الناس؟ فقال: هم ما بين مقتول وهارب. فقال له: ما بال إحدى نعليك في رجلك والأخرى في يدك؟ فقال: ما ظننتُ إلاّ أنهما في رجلي. فأكذب الله قوله وقولهم(1).

﴿...وَأُوْلُو الأرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ إِلا أَن تَفْعَلُوا إِلَى أَوْلِيَائِكُم مَّعْرُوفًا...﴾ (6).

س - ما معنى هذا الاستثناء؟

ج - ذكر المفسّرون أن الآية بصدد بيان حكم إرث الأموال، وأنها نسخت حكم التوارث بالهجرة والمواخاة، وأثبتت أن الميراث بالقرابة، ومن كان أقرب إلى الميت فهو أحق بميراثه وفق نظام الإرث المعروف ثمّ استثنت ما يوصيه الميت إلى غير قرابته، إذ من حقه الوصية لمن يشاء بثلثه على ما بيّنته النصوص.

﴿وَإِذْ أَخَذْنَا مِنَ النَّبِيِّينَ مِيثَاقَهُمْ وَمِنكَ وَمِن نُّوحٍ وَإِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ وَأَخَذْنَا مِنْهُم مِّيثَاقًا غَلِيظًا * لِيَسْأَلَ الصَّادِقِينَ عَن صِدْقِهِمْ وَأَعَدَّ لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا أَلِيمًا﴾ (7-8).

س - ما هو الارتباط بين أخذ الميثاق من النبيين وبين محاسبة غيرهم؟

ج - بعد أخذِ الميثاق من النبيين بتبليغ رسالاتهم لأممهم وقيام الحجة بذلك تُحاسَب الأمم، فيثاب المطيع ويعاقب العاصي، ومن دون إقامة الحجة لا يحاسبهم، كما قال تعالى: ﴿وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً﴾(2).

﴿إِذْ جَاؤُوكُم مِّن فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنكُمْ...﴾ (10).

س - كيف جاؤوا من فوقهم ومن أسفل؟

ج - قال الزمخشري: ﴿ ﴿مِّن فَوْقِكُمْ﴾ من أعلى الوادي من قِبَل المشرق، بنو غطفان. ﴿وَمِنْ أَسْفَلَ مِنكُمْ﴾ من أسفل الوادي من قِبَل المغرب، قريش..﴾(3).

﴿وَإِن كُنتُنَّ تُرِدْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ الْآخِرَةَ فَإِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْمُحْسِنَاتِ مِنكُنَّ أَجْرًا عَظِيمًا﴾ (29).

س - لماذا خصّ الوعد بالأجر ببعضهن فقط؟

ج - لأنّ البعض الآخر منهن لا يستحقّ ذلك رغم إسلامهن، وهذا بخلاف آية التطهير التي تحدثت عن أهل البيت (عليهم السلام): ﴿إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا﴾(4) فانها لم تقتصر على بعضهم، وذلك يؤيّد الرأي القائل أن المقصود من أهل البيت أصحاب الكساء دون أزواجه.

﴿يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا﴾ (45).

س - ما معنى كون النبي شاهداً؟

ج - يشهد على الأمة بأنه قد أبلغهم الرسالة وأقام الحجة عليهم، لأن الله تعالى لا يعذّب الأمم إلاّ بعد إرسال الرسل وإقامة الحجة عليهم، كما قال تعالى: ﴿وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً﴾(5).

﴿... فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَهَا...﴾ (49).

س - كيف قال: ﴿تَعْتَدُّونَهَا﴾ والمرأة هي التي تعتدّ؟

ج - المقصود حساب العدّة، وهو يصح نسبته للرجل والمرأة، فالمطلَّقة تحسب وتحصي عدّتها والزوج يحسب عدّة مطلَّقته ان كان لها عِدّة، وكذلك الأجنبي الذي يريد الزواج منها.

﴿لا يَحِلُّ لَكَ النِّسَاءُ مِنْ بَعْدُ وَلا أَنْ تَبَدَّلَ بِهِنَّ مِنْ أَزْوَاجٍ وَلَوْ أَعْجَبَكَ حُسْنُهُنَّ إِلَّا مَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ رَقِيباً﴾ (52).

س - هل تقتضي الآية تحريم الزواج على النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) ؟ من حين نزولها؟

ج - النصوص في تفسير هذه الآية والجمع بينها وبين ما قبلها متفاوتة، والذي يبدو من ملاحظة نفس الآيات أنه بعد ذكر النساء المحلّلات له (صلى الله عليه وآله وسلّم)، وعدم تقييده (صلى الله عليه وآله وسلّم)، وعدم تقييده (صلى الله عليه وآله وسلّم) بالمساواة بين أزواجه في ﴿القَسَم﴾ أي حق المبيت. جاءت هذه الآية لتحدّد زيجاته والنساء المحلّلات له، ولذلك جاء في التعبير عنهن بالضمير ﴿بهنّ﴾ وليرجع إلى من ورد ذكرهن قبل آيتين. ولعلّ هذا التحديد للنبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) لتخليصه من بعض الحرج الاجتماعي وغيره الذي كان يواجهه (صلى الله عليه وآله وسلّم) أحياناً لعقد زيجات جديدة، كما أشير إليه في بعض المصادر التأريخية. والله العالِم.

﴿لا جُنَاحَ عَلَيْهِنَّ فِي آبَائِهِنَّ وَلَا أَبْنَائِهِنَّ...﴾ (55).

س - ما هو الأمر الذي لا جناح عليهن مع هؤلاء؟

ج - بعد أن فرضت الآية السابقة أن يكون الحديث مع أزواج النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) من وراء الحجاب، استثنت هذه الآية حديثهن مع المحارم، فلا يجب أن يكون من وراء حجاب.

﴿إِنَّا عَرَضْنَا الأمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا﴾ (72).

س - كيف تعرض الأمانة على هذه الأشياء وكيف تأباها وتشفق منها؟

ج - الأمانة هي المسؤولية، وتحميلُ المسؤولية وحملُها لا يقبلان الرّد والرفض، فلا يراد أنه تعالى قد عرض الأمانة عليها، ورفضت هي تحمّلها، بل كأنّ المقصود بيان ثقل المسؤولية الملقاة على كاهل الإنسان، وأنها تنوء بحملها الجبال والسموات والأرض رغم عظمتها (والعرب تقول: سألتُ الربع وخاطبتُ الدار فامتنعت عن الجواب) بينما الإنسان رغم صغر حجم جسمه إلاّ أنه أعظم من هذه الأشياء، باعتبار إدراكه وعقله الذي يُميَّز بين الحق والباطل والخير والشر، وبالرغم من قدرته على تحمّل المسؤولية إلاّ أنه باختياره لم يحسن حملها جهلاَ وظلماً لنفسه.

ومن خلال ما ذكرناه يتضح أن كونه جهولاً باعتبار عدم التزامه بمقتضى المسؤولية لا بسبب تحمّله الأمانة. والله العالم.


1- تفسير العياشي : 2/ 135.

2- تفسير العياشي : 2/ 135.

3- تفسير العياشي : 2/ 135.

4- تفسير العياشي : 2/ 135.

5- تفسير العياشي : 2/ 135.