الآية- 161

وَمَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَن يَغُلَّ وَمَن يَغْلُلْ يَأْتِ بِمَا غَلَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَّا كَسَبَتْ وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ ﴿161﴾

القراءة:

قرأ ابن كثير وأبو عمرو وعاصم ﴿أن يغل﴾ بفتح الياء وضم الغين وقرأ الباقون بضم الياء وفتح الغين.

الحجة:

من قرأ ﴿يغل﴾ فمعناه يخون.

يقال غل في الغنيمة يغل إذا خان فيها وأغل بمعناه وقال النمر بن تولب:

جزى الله عنا جمرة بنت نوفل

جزاء مغل بالأمانة كاذب

بما سألت عني الوشاة ليكذبوا

علي وقد أوليتها في النوائب

ومن قرأ يغل فمعناه على وجهين (أحدهما) ما كان لنبي أن يخون أي ينسب إلى الخيانة أي يقال له غللت كقولك أسقيته أي قلت له سقاك الله قال ذو الرمة:

وأسقيه حتى كاد مما أبثه

تكلمني أحجاره وملاعبه وقال الكميت:

وطائفة قد أكفرتني بحبكم

وطائفة قالت مسيء ومذنب أي نسبتني إلى الكفر (والآخر) ما كان لنبي أن يخان بمعنى يسرق منه ويؤخذ من الغنيمة التي حازها ويكون تخصيص النبي بذلك تعظيما للذنب قال أبو علي الفسوي الحجة لمن قرأ ﴿أن يغل﴾ إنما جاء في التنزيل من هذا النحو أسند الفعل فيه إلى الفاعل نحو ما كان لنا أن نشرك بالله من شيء وما كان ليأخذ أخاه وما كان لنفس أن تموت وما كان الله ليضل قوما وما كان الله ليطلعكم على الغيب ولا يكاد يقال ما كان لزيد أن يضرب وما كان لزيد ليضرب فيسند الفعل فيه إلى المفعول به فكذلك قوله وما كان لنبي أن يغل يسند الفعل فيه إلى الفاعل ويروي عن ابن عباس أنه قرأ ﴿يغل﴾ فقيل له أن عبد الله قرأ يغل فقال ابن عباس بلى والله ويقتل وروي عن ابن عباس أيضا أنه قال وقد كان النبي يقتل فكيف لا يخون.

اللغة:

أصل الغلول من الغلل وهو دخول الماء في خلل الشجر يقال انغل الماء في أصول الشجر والغلول الخيانة لأنها تجري في الملك على خفاء من غير الوجه الذي يحل كالغلل ومنه الغل الحقد لأنه يجري في النفس كالغلل ومنه الغليل حرارة العطش والغلة كأنها تجري في الملك من جهات مختلفة والغلالة لأنها شعار تحت البدن.

النزول:

روي عن ابن عباس وسعيد بن جبير أنها نزلت في قطيفة حمراء فقدت يوم بدر من المغنم فقال بعضهم لعل النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) أخذها وفي رواية الضحاك عنه أن رجلا غل بمخيط أي بإبرة من غنائم هوازن يوم حنين فنزلت الآية وعن مقاتل أنها نزلت في غنائم أحد حين ترك الرماة المركز طلبا للغنيمة وقالوا نخشى أن يقول رسول الله من أخذ شيئا فهو له ولا يقسم كما لم يقسم يوم بدر ووقعوا في الغنائم فقال رسول الله أ ظننتم أنا نغل ولا نقسم لكم فأنزل الله الآية وقيل أنه قسم المغنم ولم يقسم للطلائع فلما قدمت الطلائع قالوا أقسم الفيء ولم يقسم لنا فعرفه الله الحكم فنزلت الآية وقيل نزلت في أداء الوحي كان النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) يقرأ القرآن وفيه عيب دينهم وسب آلهتهم فسألوه أن يطوي ذلك فأنزل الله الآية.

المعنى:

لما قدم تعالى أمر الجهاد وذكر بعده ما يتعلق به من حديث الغنائم والنهي عن الخيانة فيها فقال ﴿وما كان لنبي أن يغل﴾ وتقديره وما كان لنبي الغلول لأن أن مع الفعل بمعنى المصدر أي لا تجتمع النبوة والخيانة وقيل معناه ما كان له أن يكتم شيئا من الوحي عن ابن إسحاق وتقديره ما كان له أن يغل أمته فيما يؤدي إليهم وقيل اللام منقولة وتقديره ما كان النبي ليغل كقوله ما كان لله أن يتخذ من ولد معناه ما كان الله ليتخذ ولدا وعلى القراءة الأخرى ما كان لنبي أن يخون أي يخونه أصحابه أو بمعنى يكتمونه شيئا من المغنم على ما مضى القول فيه وخصه بالذكر وإن كان لا يجوز أن يغل غيره من إمام أو أمير للمسلمين لوجهين (أحدهما) لعظم خيانته وأنها أعظم من خيانة غيره وهذا كقوله ﴿فاجتنبوا الرجس من الأوثان﴾ وإن كان اجتناب جميع الأرجاس واجبا (والآخر) أن النبي إنما خص بالذكر لأنه القائم بأمر الغنائم فإذا حرمت الخيانة عليه وهو صاحب الأمر فحرمتها على غيره أولى وأجدر وقوله ﴿ومن يغلل يأت بما غل يوم القيامة﴾ معناه أنه يأتي حاملا على ظهره كما روي في حديث طويل ألا لا يغلن أحد بعيرا فيأتي به على ظهره يوم القيامة له رغاء ألا لا يغلن أحد فرسا فيأتي به على ظهره له حمحمة فيقول يا محمد يا محمد فأقول قد بلغت قد بلغت لا أملك لك من الله شيئا عن ابن عباس وأبي حميد وأحمد الساعدي وابن عمر وقتادة وقال الجبائي وذلك ليفضح به على رءوس الأشهاد وقال البلخي فيجوز أن يكون ما تضمنه الخبر على وجه المثل كان الله إذا فضحه يوم القيامة جرى ذلك مجرى أن يكون حاملا له وله صوت وقد روي في خبر آخر أن النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) كان يأمر مناديا فينادي في الناس ردوا الخيط والمخيط فإن الغلول عار وشنار يوم القيامة فجاء رجل بكبة شعر فقال إني أخذتها لأخيط بردعة بعيري فقال النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) أما نصيبي منها فهو لك فقال الرجل أما إذا بلغ الأمر هذا المبلغ فلا حاجة لي فيها والأولى أن يكون معناه ومن يغلل يواف بما غل يوم القيامة فيكون حمل غلوله على عنقه أمارة يعرف بها وذلك حكم الله تعالى في كل من وافى يوم القيامة بمعصيته لم يتب منها أو أراد الله تعالى أن يعامله بالعدل أظهر عليه من معصيته علامة تليق بمعصيته ليعلمه أهل القيامة بها ويعلموا سبب استحقاقه العقوبة كما قال تعالى ﴿فيومئذ لا يسأل عن ذنبه إنس ولا جان﴾ وهكذا حكمه تعالى في كل من وافى القيامة بطاعة فإنه تعالى يظهر من طاعته علامة يعرف بها ﴿ثم توفي كل نفس ما كسبت﴾ أي يعطي كل نفس جزاء ما عملت تاما وافيا ﴿وهم لا يظلمون﴾ أي لا ينقص أحد مقدار ما يستحقه من الثواب ولا يزاد أحد عن مقدار ما استحقه من العذاب وفي هذه الآية دلالة على فساد قول المجبرة إن الله لو عذب أولياءه لم يكن ذلك منه ظلما لأنه قد بين أنه لو لم يوفها ما كسبت لكان ظلما.