الآيات 142-143

أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُواْ الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللّهُ الَّذِينَ جَاهَدُواْ مِنكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ ﴿142﴾ وَلَقَدْ كُنتُمْ تَمَنَّوْنَ الْمَوْتَ مِن قَبْلِ أَن تَلْقَوْهُ فَقَدْ رَأَيْتُمُوهُ وَأَنتُمْ تَنظُرُونَ ﴿143﴾

اللغة:

الفرق بين التمني والإرادة أن الإرادة من أفعال القلوب والتمني قول القائل ليت كان كذا أو ليت لم يكن وقيل إن التمني معنى في القلب يطابق هذا القول والصحيح هو الأول.

الإعراب:

أم في قوله ﴿أم حسبتم﴾ هي المنقطعة وتقديره بل أحسبتم وهو استفهام على وجه الإنكار والفرق بين لم ولما أن لما جواب لقول القائل قد فعل فلان يريد به الحال وإذا قال فعل فجوابه لم يفعل لما كان أصلها لم مؤكدة بحرف كانت جوابا لما هو مؤكد بحرف وقوله ﴿ويعلم الصابرين﴾ نصب على الصرف عن العطف إذ ليس المعنى على نفي الثاني والأول وإنما هو على نفي اجتماع الثاني والأول وتقديره وإن يعلم فيكون منصوبا بإضمار أن والمعنى ولما يقع العلم بالجهاد والعلم بصبر الصابرين وروي عن الحسن أنه قرأ ويعلم الصابرين بالكسر عطفا على الأول.

المعنى:

لما حث الله على الجهاد ورغب فيه زاد في البيان والأخبار بأن الجنة لا تنال إلا بالبلوى والاختبار فقال ﴿أم حسبتم أن تدخلوا الجنة﴾ المراد به الإنكار أي أ ظننتم أيها المؤمنون أنكم تدخلون الجنة ﴿ولما يعلم الله الذين جاهدوا منكم ويعلم الصابرين﴾ أي ولما يجاهد المجاهدون منكم فيعلم الله جهادهم ويصبر الصابرون منكم فيعلم صبرهم على القتال وإنما جاز ﴿ولما يعلم الله الذين جاهدوا منكم﴾ على معنى نفي الجهاد دون العلم لما في ذلك من الإيجاز في انتفاء جهادهم لأنه لو كان لعلمه وتقديره ولما لم يكن المعلوم من الجهاد الذي أوجب عليكم لأن المعنى مفهوم لا يشتبه ﴿ولقد كنتم﴾ يا أصحاب محمد (صلى الله عليه وآله وسلّم) ﴿تمنون الموت﴾ أي تتمنون الموت فحذف إحدى التاءين للتخفيف وذلك أن قوما ممن فاتهم شهود بدر كانوا يتمنون الموت بالشهادة بعد بدر قبل أحد فلما رأوه يوم أحد أعرض كثير منهم عنه فانهزموا فعاتبهم الله على ذلك عن الحسن ومجاهد والربيع وقتادة والسدي ﴿من قبل أن تلقوه فقد رأيتموه﴾ الهاء في تلقوه ورأيتموه راجعة إلى الموت أي من قبل أن تلقوا أسباب الموت وهو الحرب فقد رأيتموها لأن الموت لا يرى ونحو ذلك قول الشاعر:

والموت تحت لواء آل محلم

أي أسباب الموت وقيل الهاء راجعة إلى الجهاد ﴿وأنتم تنظرون﴾ قيل أنه تأكيد للرؤية كما يقال رأيته عيانا فرأيته بعيني وسمعته بإذني لأن لا يتوهم رؤية القلب وسمع العلم وقيل معناه وأنتم تتأملون الحال في ذلك كيف هي فعلى هذا يكون النظر بمعنى الفكر وقيل معناه وأنتم تنظرون إلى محمد (صلى الله عليه وآله وسلّم) وفيه حذف أي فلم انهزمتم لأنه موضع عتاب فإن قيل كيف يتمنى قتل المشركين لهم لينالوا منزلة الشهادة وهل يجوز ذلك قلنا ذلك لا يجوز لأن قتل المشركين لهم معصية ولا يجوز تمني المعاصي كما لا يجوز إرادتها ولا الأمر بها فإذا ثبت ذلك فإنما تمنوا الشهادة بالصبر على الجهاد إلى أن يقتلوا.