ويمنعون الماعون

ويقولون: إن الماعون مأخوذ من المعن، الذي هو الشيء القليل الذي لا قيمة له، والذي لا يمنع في العادة عن الآخرين. فكأنّ الناس يرون أن هذا الشيء مطلق بالنسبة إليهم، لا شيء يمنع من الوصول إليه، لأنّ الناس لا يمنعونه عن أحد بسبب قلّته. وربما سمّي الماعون ماعوناً لأنه يوضع فيه ذلك المعن القليل.

إذن، فمن يمنع الماعون فهو ليس فقط لا يملك عواطف أو مشاعر إنسانية، وإنما لا يخجل حتى مما يخجل منه الناس، ويرون ضرورة بذله، لأنه مما تقتضيه طبيعة الحياة، ومنعه يوجب نوعاً من الخلل في حياة الناس، لا سيّما إذا رافق ذلك شعور بخيبة الأمل، وانسياق إلى حالة من اللامبالاة بحاجات الآخرين؛ إن لم يصل بهم الأمر إلى محاولة استغلال حاجتهم بطريقة بعيدة عن الشعور النبيل.

وقد رأينا أن القرآن الكريم قد أولى بعض الأمور أهمية كبيرة، مع أننا كنّا نحسب أنها عادية جداً، فعلى سبيل المثال نجد أنه سبحانه حين أعلن ولاية أمير المؤمنين ، لم يتحدّث عن علم عليّ ولا عن شجاعته، ولا عن عصمته، ولا عن أيٍّ من كراماته الكبرى، ومقاماته الكثيرة، بل قال: ﴿إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ﴾ (المائدة/55) وذلك حين دخل مسكين إلى المسجد، وطلب الصدقة من الناس، فلم يعطه أحد فكان أمير المؤمنين يصلّي، وكان راكعاً، وبيده خاتم، فأشار إليه، فجاء واستخرج الخاتم من إصبعه، وذهب.

فنزلت هذه الآية لتعلن إمامة أمير المؤمنين وولايته على الأمة، بهذه الطريقة الحاسمة والقوية ، حيث يقرن الله تعالى هذه الولاية بولاية نفسه، وبولاية رسوله صلى الله عليه وآله وسلم.