الآيات 137-138

قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِكُمْ سُنَنٌ فَسِيرُواْ فِي الأَرْضِ فَانْظُرُواْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذَّبِينَ ﴿137﴾ هَذَا بَيَانٌ لِّلنَّاسِ وَهُدًى وَمَوْعِظَةٌ لِّلْمُتَّقِينَ ﴿138﴾

اللغة:

السنة الطريقة المجعولة ليقتدى بها ومن ذلك سنة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) قال لبيد:

من معشر سنت لهم آباؤهم

ولكل قوم سنة وإمامها وقال سليمان بن قتة:

وإن الأولى بالطف من آل هاشم

تأسوا فسنوا للكرام الت آسيا

وأصل السنة الاستمرار في جهة يقال سن الماء إذا صبه حتى يفيض من الإناء وسن السكين بالمسن إذا أمره عليه لتحديده ومنه السن واحد الأسنان لاستمرارها على منهاج والسنان لاستمرار الطعن به والسنن استمرار الطريق والعاقبة ما يؤدي إليها السبب المتقدم وليس كذلك الآخرة لأنه قد كان يمكن أن تجعل هي الأولى في العدة والموعظة ما يلين القلب ويدعو إلى التمسك بما فيه من الزجر عن القبيح والدعاء إلى الجميل وقيل الموعظة هو ما يدعو بالرغبة والرهبة إلى الحسنة بدلا من السيئة.

المعنى:

لما بين سبحانه ما يفعله بالمؤمن والكافر في الدنيا والآخرة بين أن ذلك عادته في خلقه فقال ﴿قد خلت﴾ أي قد مضت ﴿من قبلكم﴾ يا أصحاب محمد (صلى الله عليه وآله وسلّم) وقيل هو خطاب لمن انهزم يوم أحد ﴿سنن﴾ من الله في الأمم السالفة إذا كذبوا رسله وجحدوا نبوتهم بالاستيصال وتبقية آثارهم في الديار للاعتبار والاتعاظ عن الحسن وابن إسحاق وقيل سنن أي أمثال عن ابن زيد وقيل سنن أمم والسنة الأمة عن المفضل وقال الشاعر:

ما عاين الناس من فضل كفضلكم

ولا رأوا مثلكم في سالف السنن وقيل معناه أهل سنن وقيل معناه قد مضت لكل أمة سنة ومنهاج إذا اتبعوها رضي الله عنهم عن الكلبي ﴿فسيروا في الأرض فانظروا كيف كان عاقبة المكذبين﴾ أي تعرفوا أخبار المكذبين وما نزل بهم لتتعظوا بذلك وتنتهوا عن مثل ما فعلوه ولا تسلكوا في التكذيب والإنكار طريقتهم فيحل بكم من العذاب ما حل بهم وأراد بالمكذبين الجاحدين للبعث والنشور والثواب والعقاب جازاهم الله تعالى في الدنيا بعذاب الاستيصال وفي الآخرة باليم العذاب وعظيم النكال ﴿هذا﴾ إشارة إلى القرآن ﴿بيان للناس﴾ أي دلالة وحجة لهم كافة عن الحسن وقتادة وقيل إشارة إلى ما تقدم من قوله ﴿قد خلت من قبلكم سنن﴾ أي هذا الذي عرفتكم بيان للناس عن ابن أبي إسحاق واختاره البلخي والطبري ﴿وهدى﴾ قال علي بن عيسى الفرق بين البيان والهدى إن البيان إظهار المعنى للغير كائنا ما كان والهدى بيان لطريق الرشد ليسلك دون طريق الغي ﴿وموعظة للمتقين﴾ وإنما خص المتقين به مع كونه بيانا وهدى وموعظة للناس كافة لأن المتقين هم المنتفعون به والمهتدون بهداه والمتعظون بمواعظه.