الآيات 123-126

وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللّهُ بِبَدْرٍ وَأَنتُمْ أَذِلَّةٌ فَاتَّقُواْ اللّهَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ﴿123﴾ إِذْ تَقُولُ لِلْمُؤْمِنِينَ أَلَن يَكْفِيكُمْ أَن يُمِدَّكُمْ رَبُّكُم بِثَلاَثَةِ آلاَفٍ مِّنَ الْمَلآئِكَةِ مُنزَلِينَ ﴿124﴾ بَلَى إِن تَصْبِرُواْ وَتَتَّقُواْ وَيَأْتُوكُم مِّن فَوْرِهِمْ هَذَا يُمْدِدْكُمْ رَبُّكُم بِخَمْسَةِ آلافٍ مِّنَ الْمَلآئِكَةِ مُسَوِّمِينَ ﴿125﴾ وَمَا جَعَلَهُ اللّهُ إِلاَّ بُشْرَى لَكُمْ وَلِتَطْمَئِنَّ قُلُوبُكُم بِهِ وَمَا النَّصْرُ إِلاَّ مِنْ عِندِ اللّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ ﴿126﴾

القراءة:

قرأ ابن عامر منزلين مشددة الزاي وقرأ الآخرون ﴿منزلين﴾ مخففة وقرأ ابن كثير وأبو عمرو وعاصم ﴿مسومين﴾ بكسر الواو وقرأ الباقون بفتحها.

الحجة:

حجة من قرأ ﴿منزلين﴾ بالتخفيف قوله وقالوا لو لا أنزل عليه ملك ولو أنزلنا ملكا ولأن الإنزال يعم التنزيل وغيره وحجة ابن عامر ما ننزل الملائكة وتنزل الملائكة والروح فيها لأن تنزل مطاوع نزل ولو أننا نزلنا إليهم الملائكة وقال أبو الحسن من قرأ ﴿مسومين﴾ بالكسر فلأنهم سوموا الخيل ومن قرأ مسومين فلأنهم سوموا وقال مسومين معلمين ويكون مرسلين من سوم الخيل إذا أرسلها ومنه السائمة وقال علي بن عيسى أن اختيار الكسر لتظاهر الأخبار بأنهم سوموا خيلهم بعلامة وقال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) سوموا فإن الملائكة قد سومت.

اللغة:

بدر ما بين مكة والمدينة وقال الشعبي سمي بدرا لأن هناك ماء لرجل يسمى بدرا فسمي الموضع باسم صاحبه وقال الواقدي هو اسم للموضع وكل شيء تم فهو بدر وسمي بدر السماء بدرا لتمامه وامتلائه وعين بدرة ممتلئة يقال استكفيته الأمر فكفاني وكفاك هذا الأمر أي حسبك والفرق بين الاكتفاء والاستغناء أن الاكتفاء هو الاقتصار على ما ينفي الحاجة والاستغناء الاتساع فيما ينفي الحاجة والأمداد هو إعطاء الشيء حالا بعد حال والمد في السير هو الاستمرار عليه وامتد بهم السير إذا طال واستمر وأمددت الجيش بمدد وأمد الجرح فهو ممد إذا صارت فيه المدة ومد النهر إذا جرى يقال مد النهر ومده نهر آخر ويقال مده في الشر وأمده في الخير وأصل الفور فور القدر فهو غليانها عند شدة الحمى ومنه فورة الغضب لأنه كفور القدر ومنه فارت العين بالماء إذا جاشت به ومنه الفوارة لأنها تفور بالماء كما تفور القدر بما فيها ومنه جاء على الفور أي على ابتداء الحمى قبل أن تبرد عنه نفسه وقيل الفور القصد إلى الشيء بحدة.

الإعراب:

﴿وأنتم أذلة﴾ في موضع نصب على الحال و﴿أن يمدكم ربكم﴾ في موضع رفع بأنه فاعل ﴿ألن يكفيكم﴾ إمدادكم وقوله ﴿من فورهم﴾ هذا في موضع جر صفة لفورهم وقوله ﴿ولتطمئن قلوبكم به﴾ معطوف على قوله ﴿بشرى لكم﴾ لأن تقديره لتبشروا به ولتطمئن.

المعنى:

ثم بين الله تعالى ما فعله بهم من النصر يوم بدر فقال ﴿ولقد نصركم الله﴾ أيها المؤمنون ﴿ببدر﴾ بتقوية قلوبكم وبما أمدكم به من الملائكة وبإلقاء الرعب في قلوب أعدائكم ﴿وأنتم أذلة﴾ أي ضعفاء عن المقاومة قليلو العدد قليلو العدة جمع ذليل وروي عن ابن عباس أنه قال كان المهاجرون يوم بدر سبعة وسبعين رجلا والأنصار مائتين وستة وثلاثين رجلا والجميع ثلاثمائة وثلاث عشر رجلا وكان المشركون نحوا من ألف رجل وروي عن بعض الصادقين أنه قرأ وأنتم ضعفاء وقال لا يجوز وصفهم بأنهم أذلة وفيهم رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) وكان صاحب راية رسول الله يوم بدر أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام) وصاحب راية الأنصار سعد بن عبادة وقيل سعد بن معاذ ﴿فاتقوا الله﴾ أي اجتنبوا معاصيه واعملوا بطاعته ﴿لعلكم تشكرون﴾ أي لتقوموا بشكر نعمته ﴿إذ تقول﴾ خطاب للنبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) أي إذ تقول يا محمد للمؤمنين من أصحابك ﴿ألن يكفيكم أن يمدكم ربكم بثلاثة آلاف من الملائكة﴾ هو إخبار بأن النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) قال لقومه أ لن يكفيكم يوم بدر أن جعل ربكم ثلاثة آلاف من الملائكة مددا لكم قال ابن عباس والحسن وقتادة وغيرهم إن الأمداد بالملائكة كان يوم بدر وقال ابن عباس لم تقاتل الملائكة إلا يوم بدر وكانوا في غيره من الأيام عدة ومددا وقال الحسن كان جميعهم خمسة آلاف فمعناه يمددكم ربكم بتمام خمسة آلاف وقال غيره كانوا ثمانية آلاف فمعناه بخمسة آلاف أخر وقيل إن الوعد بالإمداد بالملائكة كان يوم أحد وعدهم الله المدد أن صبروا عن عكرمة والضحاك ﴿منزلين﴾ أنزلهم الله من السماء إلى الأرض لنصرتكم ﴿بلى﴾ تصديق للوعد أي يفعل كما وعدكم ويزيدكم ﴿إن تصبروا﴾ معناه إن صبرتم على الجهاد وعلى ما أمركم الله (تعالى) ﴿وتتقوا﴾ معاصي الله ومخالفة رسوله (صلى الله عليه وآله وسلّم) ﴿ويأتوكم﴾ يعني المشركين أن رجعوا إليكم ﴿من فورهم هذا﴾ أي من وجههم هذا عن ابن عباس والحسن وقتادة والربيع والسدي وعلى هذا فإنما هو من فور الابتدار لهم وهو ابتداؤه وقيل معناه من غضبهم هذا عن مجاهد وأبي صالح والضحاك وكانوا قد غضبوا يوم أحد ليوم بدر مما لقوا فهو من فور الغضب وهو غليانه ﴿يمددكم بخمسة آلاف من الملائكة﴾ أي يعطكم مددا لكم ونصرة وإنما قال ذلك لأن الكفار في غزوة أحد ندموا بعد انصرافهم لم لم يغيروا المدينة وهموا بالرجوع فأوحى الله إلى نبيه (صلى الله عليه وآله وسلّم) أن يأمر أصحابه بالتهيء للرجوع إليهم وقال لهم إن يمسسكم قرح فقد مس القوم قرح مثله ثم قال إن صبرتم على الجهاد وراجعتم الكفار أمدكم الله بخمسة آلاف من الملائكة مسومين فأخذوا في الجهاد وخرجوا يتبعون الكفار على ما كان بهم من الجراح فأخبر المشركين من مر برسول الله أنه خرج يتبعكم فخاف المشركون أن رجعوا أن تكون الغلبة للمسلمين وأن يكون قد التام إليهم من كان تأخر عنهم وانضم إليهم غيرهم فدسوا نعيم بن مسعود الأشجعي حتى يصدهم بتعظيم أمر قريش وأسرعوا في الذهاب إلى مكة وكفى الله المسلمين أمرهم والقصة معروفة ولذلك قال قوم من المفسرين إن جميعهم ثمانية آلاف وقال الحسن خمسة آلاف جميعهم منهم ثلاثة آلاف المنزلين على أن الظاهر يقتضي أن الأمداد بثلاثة آلاف كان يوم بدر لأن قوله إذ تقول للمؤمنين الآية يتعلق بقوله ولقد نصركم الله ببدر الآية ثم استأنف حكم يوم أحد فقال بلى أن تصبروا وتتقوا ويأتوكم من فورهم هذا أي إن يرجعوا إليكم بعد انصرافهم أمدكم ربكم بخمسة آلاف من الملائكة مسومين وهذا قول البلخي رواه عن عمرو بن دينار عن عكرمة قال لم يمدوا يوم أحد ولا بملك واحد وعلى هذا فلا تنافي بين الآيتين فمتى يسأل كيف لم يمدوا بالملائكة في سائر الحروب فالجواب أن ذلك تابع للمصلحة فإذا علم الله في إمدادهم المصلحة أمدهم وقوله ﴿مسومين﴾ بالكسر أي معلمين أعلموا أنفسهم ومسومين بالفتح سومهم الله أي أعلمهم قال ابن عباس والحسن وقتادة وغيرهم كانوا أعلموا بالصوف في نواصي الخيل وأذنابها وقال عروة نزلت الملائكة يوم بدر على خيل بلق وعليهم عمائم صفر وقال علي وابن عباس كانت عليهم عمائم بيض وأرسلوا أذنابها بين أكتافهم قال السدي معنى مسومين بالفتح مرسلين من الناقة السائمة أي المرسلة في المرعى ﴿وما جعله الله إلا بشرى لكم﴾ أي وما جعل الله الأمداد والوعد به فالهاء عائدة على غير مذكور باسمه وهو معلوم بدلالته عليه لأن يمدد يدل على الأمداد و﴿بشرى لكم﴾ أي بشارة لكم لتستبشروا به ولتطمئن قلوبكم به أي ولتسكن قلوبكم فلا تخافوا كثرة عدد العدو وقلة عددكم ﴿وما النصر﴾ أي وما المعونة ﴿إلا من عند الله﴾ ومعناه أن الحاجة إلى الله تعالى لازمة في المعونة وإن أمدكم بالملائكة فلا استغناء لكم عن معونته طرفة عين في تقوية قلوبكم وخذلان عدوكم بضعف قلوبهم إلى غير ذلك وقيل إن معناه وما هذا النصر إلا بإمداد الملائكة إلا من عند الله ﴿العزيز﴾ أي القادر على انتقامه من الكفار بأيدي المؤمنين ﴿الحكيم﴾ في تدبيره للمؤمنين وللعالمين وإنما قال ذلك ليعلمهم أن حربهم للمشركين إنما هو لإعزاز الدين وقيل العزيز المنيع باقتداره والحكيم في تدبيره للخلق.

فصل وجيز في ذكر مغازي رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم):

قال المفسرون جميع ما غزا رسول الله بنفسه ستة وعشرون غزاة وأول غزاة غزاها غزوة الأبواء ثم غزوة بواط ثم غزوة العشيرة ثم غزوة بدر الأولى ثم غزوة بدر الكبرى ثم غزوة بني سليم ثم غزوة السويق ثم غزوة ذي أمر ثم غزوة أحد ثم غزوة الأسد ثم غزوة بني النضير ثم غزوة ذات الرقاع ثم غزوة بدر الأخيرة ثم غزوة دومة الجندل ثم غزوة بني قريظة ثم غزوة بني لحيان ثم غزوة بني قرد ثم غزوة بني المصطلق ثم غزوة الحديبية ثم غزوة خيبر ثم غزوة الفتح فتح مكة ثم غزوة حنين ثم غزوة الطائف ثم غزوة تبوك قاتل منها في تسع غزوات غزوة بدر الكبرى وهو يوم الجمعة السابع عشر من رمضان سنة اثنتين من الهجرة وأحد وهو في شوال سنة ثلاث من الهجرة والخندق وبني قريظة في شوال سنة أربع وبني المصطلق وبني لحيان في شعبان سنة خمس وخيبر سنة ست والفتح في رمضان ثمان وحنين والطائف في شوال سنة ثمان فأول غزوة غزاها بنفسه فقاتل فيها بدر وآخرها تبوك وأما عدد سراياه فست وثلاثون سرية على ما عد في مواضعه.