الآية- 118

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ بِطَانَةً مِّن دُونِكُمْ لاَ يَأْلُونَكُمْ خَبَالاً وَدُّواْ مَا عَنِتُّمْ قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاء مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الآيَاتِ إِن كُنتُمْ تَعْقِلُونَ ﴿118﴾

اللغة:

البطانة خاصة الرجل الذين يستبطنون أمره مأخوذة من بطانة الثوب الذي يلي البدن لقربه منه وهي نقيض الظهارة ويسمى بها الواحد والجمع والمذكر والمؤنث قال الشاعر:

أولئك خلصاني نعم وبطانتي

وهم عيبتي من دون كل قريب ﴿لا يألونكم﴾ أي لا يقصرون في أمركم خبالا ولا يتركون جهدهم يقال ألا يألو ألوا إذا فتر وضعف وقصر وما ألوته خيرا وشرا أي ما قصرت في فعل ذلك وقال امرؤ القيس:

وما المرء ما دامت حشاشة نفسه

بمدرك أطراف الخطوب ولا ألي أي مقصر في الطلب والخبال الشر والفساد ومنه الخبل بفتح الباء وسكونها للجنون لأنه فساد العقل ورجل مخبل الرأي أي فاسد الرأي ومنه الاستخبال طلب إعارة المال لفساد الزمان قال زهير:

هنالك إن يستخبلوا المال يخبلوا

وإن يسألوا يعطوا وإن ييسروا يغلوا وأصل العنت المشقة عنت الرجل يعنت عنتا دخلت عليه المشقة وأكمة عنوت صعبة المسلك لمشقة السلوك فيها وأعنت فلان فلانا حمله على المشقة الشديدة فيما يطالبه فيه ومنه قوله تعالى ولو شاء الله لأعنتكم.

الإعراب:

﴿من دونكم﴾ من للتبعيض والتقدير لا تتخذوا بعض المخالفين في الدين بطانة ويجوز أن يكون لتبيين الصفة فكأنه قال لا تتخذوا بطانة من المشركين وهذا أولى لأنه أعم ولا يجوز أن يتخذ المؤمن الكافر بطانة على كل حال وقيل إن من هاهنا زائدة وهذا غير حسن لأن الحرف إذا صح حمله في الفائدة لا يحكم فيه بالزيادة وقوله ﴿خبالا﴾ نصب بأنه المفعول الثاني لأن الألو يتعدى إلى مفعولين ويجوز أن يكون مصدرا لأن المعنى يخبلونكم خبالا وموضع قوله ﴿ودوا ما عنتم﴾ يجوز أن يكون نصبا بأنه صفة لبطانة ويجوز أن يكون لا موضع له من الإعراب لأنه استئناف جملة وما في قوله ﴿ما عنتم﴾ مصدرية وتقديره ودوا عنتكم.

النزول:

نزلت في رجال من المسلمين كانوا يواصلون رجالا من اليهود لما كان بينهم من الصداقة والقرابة والجوار والحلف والرضاع عن ابن عباس وقيل نزلت في قوم من المؤمنين كانوا يصادقون المنافقين ويخالطونهم عن مجاهد.

المعنى:

نهى الله المؤمنين عن موالاة الكفار ومخالطتهم خوف الفتنة منهم عليهم فقال ﴿يا أيها الذين آمنوا﴾ أي صدقوا ﴿لا تتخذوا بطانة من دونكم﴾ أي لا تتخذوا الكافرين أولياء وخواص من دون المؤمنين تفشون إليهم أسراركم وقوله ﴿من دونكم﴾ أي من غير أهل ملتكم ثم بين تعالى العلة في منع مواصلتهم فقال ﴿لا يألونكم خبالا﴾ أي لا يقصرون فيما يؤدي إلى فساد أمركم ولا يدعون جهدهم في مضرتكم وقال الزجاج لا يتقون في إلقائكم فيما يضركم قال وأصل الخبال ذهاب الشيء وقوله ﴿ودوا ما عنتم﴾ معناه تمنوا إدخال المشقة عليكم وقيل تمنوا إضلالكم عن دينكم عن السدي وقيل تمنوا أن يعنتوكم في دينكم أي يحملونكم على المشقة فيه عن ابن عباس وقوله ﴿قد بدت البغضاء من أفواههم﴾ معناه ظهرت أمارة العداوة لكم على ألسنتهم وفي فحوى أقوالهم وفلتات كلامهم ﴿وما تخفي صدورهم﴾ من البغضاء ﴿أكبر﴾ مما يبدون بألسنتهم ﴿قد بينا لكم الآيات﴾ أي أظهرنا لكم الدلالات الواضحات التي بها يتميز الولي من العدو ﴿إن كنتم تعقلون﴾ أي تعلمون الفضل بين الولي والعدو وقيل إن كنتم تعلمون مواعظ الله ومنافعها وقيل إن كنتم عقلاء فقد آتاكم الله من البيان الشافي.