الآية- 110

كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْرًا لَّهُم مِّنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفَاسِقُونَ ﴿110﴾

المعنى:

لما تقدم ذكر الأمر والنهي عقبه تعالى بذكر من تصدى للقيام بذلك ومدحهم ترغيبا في الاقتداء بهم فقال ﴿كنتم خير أمة أخرجت للناس﴾ قيل فيه أقوال (أحدها) أن معناه أنتم خير أمة وإنما قال ﴿كنتم﴾ لتقدم البشارة لهم في الكتب الماضية عن الحسن ويعضده ما روي عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) أنه قال أنتم وفيتم سبعين أمة أنتم خيرها وأكرمها على الله (وثانيها) أن المراد كنتم خير أمة عند الله في اللوح المحفوظ عن الفراء والزجاج (وثالثها) أن كان هاهنا تامة و﴿خير أمة﴾ نصب على الحال ومعناه وجدتم خير أمة وخلقتم خير أمة (ورابعها) أن كان مزيدة دخولها كخروجها إلا أن فيها تأكيدا لوقوع الأمر لا محالة لأنه بمنزلة ما قد كان في الحقيقة فهي بمنزلة قوله تعالى ﴿واذكروا إذ أنتم قليل﴾ وفي موضع آخر إذ كنتم قليلا فكثركم ونظيره قوله ﴿وكان الله غفورا رحيما﴾ لأن مغفرته المستأنفة كالماضية في تحقيق الوقوع (وخامسها) أن كان بمعنى صار كما في قول الشاعر:

فخر على الألاء توسدته

وقد كان الدماء له خمارا

ومعناه صرتم خير أمة خلقت لأمركم بالمعروف ونهيكم عن المنكر وإيمانكم بالله فتصير هذه الخصال على هذا القول شرطا في كونهم خيرا وقد روي عن بعض الصحابة أنه قال من أراد أن يكون خير هذه الأمة فليؤد شرط الله فيه من الإيمان بالله والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر واختلف في المعنى بالخطاب فقيل هم المهاجرون خاصة عن ابن عباس والسدي وقيل نزلت في ابن مسعود وأبي بن كعب ومعاذ بن جبل وسالم مولى أبي حذيفة عن عكرمة وقيل أراد بهم أصحاب رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) خاصة عن الضحاك وقيل هو خطاب للصحابة ولكنه يعم سائر الأمة ثم ذكر مناقبهم فقال ﴿تأمرون بالمعروف﴾ بالطاعات ﴿وتنهون عن المنكر﴾ عن المعاصي ويسأل فيقال أن القبيح أيضا يعرف أنه قبيح فلم خص الحسن باسم المعروف وجوابه أن القبيح جعل بمنزلة ما لا يعرف لخموله وسقوطه وجعل الحسن بمنزلة النبيه الجليل القدر يعرف لنباهته وعلو قدره ﴿وتؤمنون بالله﴾ أي بتوحيده وعدله ودينه ﴿ولو آمن أهل الكتاب﴾ أي لو صدقوا بالنبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) وبما جاء به ﴿لكان خيرا لهم﴾ أي لكان ذلك الإيمان خيرا لهم في الدنيا والآخرة لأنهم ينجون بها في الدنيا من القتل وفي الآخرة من العذاب ويفوزون بالجنة ﴿منهم﴾ أي من أهل الكتاب ﴿المؤمنون﴾ أي المعترفون بما دلت عليه كتبهم من صفة نبينا والبشارة به كعبد الله بن سلام وأصحابه من اليهود والنجاشي وأصحابه من النصارى ﴿وأكثرهم الفاسقون﴾ أي الخارجون عن طاعة الله تعالى وإنما وصفهم بالفسق دون الكفر الذي هو أعظم لأن الغرض الإيذان بأنهم خرجوا عما يوجبه كتابهم من الإقرار بالحق في نبوة نبينا وقيل لأنهم في الكفار بمنزلة الفساق العصاة لخروجهم إلى الحال الفاحشة التي هي أشنع وأفظع.