الآيات 106-107

يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ فَأَمَّا الَّذِينَ اسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ أَكْفَرْتُم بَعْدَ إِيمَانِكُمْ فَذُوقُواْ الْعَذَابَ بِمَا كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ ﴿106﴾ وَأَمَّا الَّذِينَ ابْيَضَّتْ وُجُوهُهُمْ فَفِي رَحْمَةِ اللّهِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ ﴿107﴾

الإعراب:

العامل في قوله ﴿يوم﴾ قوله عظيم وتقديره عظيم عذابهم يوم تبيض وجوه ولا يجوز أن يكون العامل فيه عذاب لأنه موصوف قد فصلت صفة بينه وبين معموله لكن يجوز أن تعمل فيه الجملة لأنها في معنى يعذبون كما يقال المال لزيد يوم الجمعة فالعامل الفعل والجملة خلف منه وجواب أما في قوله ﴿فأما الذين اسودت وجوههم﴾ فيقال لهم ﴿أكفرتم﴾ فحذف لدلالة اسوداد الوجوه على حال التوبيخ حتى كأنه ناطق به وقد يحذف القول في مواضع كثيرة استغناء بما قبله من البيان كقوله ﴿ولو ترى إذ المجرمون ناكسوا رءوسهم عند ربهم ربنا أبصرنا﴾ أي يقولون ربنا أبصرنا لدلالة تنكيس الرأس من المجرمين على سؤال الإقالة ومثله كثير.

المعنى:

﴿يوم تبيض وجوه وتسود وجوه﴾ أخبر سبحانه بوقت ذلك العذاب أي ثبت لهم العذاب في يوم هذه صفته وإنما تبيض فيه الوجوه للمؤمنين ثوابا لهم على الإيمان والطاعة وتسود فيه الوجوه للكافرين عقوبة لهم على الكفر والسيئات بدلالة ما بعده وهو قوله ﴿فأما الذين اسودت وجوههم أ كفرتم﴾ أي يقال لهم أكفرتم بعد إيمانكم واختلف فيمن عنوا به على أقوال (أحدها) أنهم الذين كفروا بعد إظهار الإيمان بالنفاق عن الحسن (وثانيها) أنهم جميع الكفار لإعراضهم عما وجب عليهم الإقرار به من التوحيد حين أشهدهم على أنفسهم ألست بربكم قالوا بلى فيقول أكفرتم بعد إيمانكم يوم الميثاق عن أبي بن كعب (وثالثها) أنهم أهل الكتاب كفروا بالنبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) بعد إيمانهم به أي بنعته وصفته قبل مبعثه عن عكرمة واختاره الزجاج والجبائي (ورابعها) أنهم أهل البدع والأهواء من هذه الأمة عن علي (عليه السلام) ومثله عن قتادة أنهم الذين كفروا بالارتداد ويروى عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) أنه قال والذي نفسي بيده ليردن علي الحوض ممن صحبني أقوام حتى إذا رأيتهم اختلجوا دوني فلأقولن أصحابي أصحابي أصحابي فيقال إنك لا تدري ما أحدثوا بعد إيمانهم ارتدوا على أعقابهم القهقرى ذكره الثعلبي في تفسيره فقال أبو أمامة الباهلي هم الخوارج ويروى عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) أنهم يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية والألف في ﴿أكفرتم﴾ أصله الاستفهام والمراد به هنا التقريع أي لم كفرتم وقيل المراد التقرير أي قد كفرتم ﴿فذوقوا العذاب بما كنتم تكفرون﴾ أي بلفظ الذوق على التوسع ومعناه انظروا ما صار إليه عاقبتكم من عذاب الله ﴿بما كنتم تكفرون﴾ أي بكفركم ﴿وأما الذين ابيضت وجوههم﴾ وهم المؤمنون ﴿ففي رحمة الله﴾ أي ثواب الله وقيل جنة الله ﴿هم فيها خالدون﴾ أعاد كلمة الظرف وهي قوله ﴿فيها﴾ تأكيدا لتمكين المعنى في النفس وقيل إنما أعادها لأنه دل بقوله ﴿ففي رحمة الله﴾ على إدخاله إياهم في الرحمة وبقوله ﴿هم فيها خالدون﴾ على خلودهم فيها وسمى الله تعالى الثواب رحمة والرحمة نعمة يستحق بها الشكر وكل نعمة تفضل والوجه في ذلك أن سبب الثواب الذي هو التكليف تفضل فيكون الثواب على هذا الوجه تفضلا وقيل إنما جاز أن يكون تفضلا لأنه بمنزلة إنجاز الوعد في أنه تفضل مستحق لأن المبتدىء به قد كان له أن لا يفعله فلما فعله وجب عليه الوفاء به لأن الخلف قبيح وهو مع ذلك تفضل لأنه جر إليه تفضل وقال بعضهم المراد بابيضاض الوجوه إشراقها وإسفارها بالسرور بنيل البغية والظفر بالمنية والاستبشار بما يصير إليه من الثواب كقوله وجوه يومئذ مسفرة ضاحكة مستبشرة والمراد باسودادها ظهور أثر الحزن عليها لما يصير إليه من العقاب كقوله ﴿وجوه يومئذ باسرة﴾ ﴿ووجوه يومئذ عليها غبرة﴾ وفي هذا القول عدول عن حقيقة اللفظ من غير ضرورة والأصح الأول.