الآيات 104-105

وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ﴿104﴾ وَلاَ تَكُونُواْ كَالَّذِينَ تَفَرَّقُواْ وَاخْتَلَفُواْ مِن بَعْدِ مَا جَاءهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُوْلَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ ﴿105﴾

اللغة:

الأمة اشتقاقها من الأم الذي هو القصد في اللغة تستعمل على ثمانية أوجه منها الجماعة ومنها اتباع الأنبياء لاجتماعهم على مقصد واحد ومنها القدوة لأنه يأتم به الجماعة ومنها الدين والملة كقوله ﴿إنا وجدنا آباءنا على أمة﴾ ومنها الحين والزمان كقوله تعالى ﴿وادكر بعد أمة﴾ وإلى أمة معدودة ومنها القامة يقال رجل حسن الأمة أي القامة ومنها النعمة ومنها الأمة بمعنى الأم.

الإعراب:

﴿منكم أمة﴾ من هاهنا للتبعيض على قول أكثر المفسرين لأن الأمر بالمعروف وإنكار المنكر ليسا بفرضين على الأعيان وهما من فروض الكفايات فأي فرقة قامت بهما سقطا عن الباقين ومن قال إنهما من فروض الأعيان قال أن من هاهنا للتبيين ولتخصيص المخاطبة دون سائر الأجناس كقوله فاجتنبوا الرجس من الأوثان وقول الشاعر:

أخو رغائب يعطيها ويسلبها

يأبى الظلامة منه النوفل الزفر لأنه وصفه بإعطاء الرغائب والنوفل الكثير الإعطاء والزفر الذي يحمل الأثقال.

المعنى:

﴿ولتكن منكم أمة﴾ أي جماعة ﴿يدعون إلى الخير﴾ أي إلى الدين ﴿ويأمرون بالمعروف﴾ أي بالطاعة ﴿وينهون عن المنكر﴾ أي عن المعصية ﴿وأولئك هم المفلحون﴾ أي الفائزون وقيل كل ما أمر الله ورسوله به فهو معروف وما نهى الله ورسوله عنه فهو منكر وقيل المعروف ما يعرف حسنه عقلا أو شرعا والمنكر ما ينكره العقل أو الشرع وهذا يرجع في المعنى إلى الأول ويروى عن أبي عبد الله (عليه السلام) ولتكن منكم أئمة وكنتم خير أئمة أخرجت للناس وفي هذه الآية دلالة على وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وعظم موقعهما ومحلهما من الدين لأنه تعالى علق الفلاح بهما وأكثر المتكلمين على أنهما من فروض الكفايات ومنهم من قال إنهما من فروض الأعيان واختاره الشيخ أبو جعفر (ره) والصحيح أن ذلك إنما يجب في السمع وليس في العقل ما يدل على وجوبه إلا إذا كان على سبيل دفع الضرر وقال أبو علي الجبائي يجب عقلا والسمع يؤكده ومما ورد فيه ما رواه الحسن عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) قال من أمر بالمعروف ونهى عن المنكر فهو خليفة الله في أرضه وخليفة رسول الله وخليفة كتابه وعن درة ابنة أبي لهب قالت جاء رجل إلى النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) وهو على المنبر فقال يا رسول الله من خير الناس قال آمرهم بالمعروف وأنهاهم عن المنكر وأتقاهم لله وأرضاهم وقال أبو الدرداء لتأمرن بالمعروف ولتنهون عن المنكر أو ليسلطن الله عليكم سلطانا ظالما لا يجل كبيركم ولا يرحم صغيركم وتدعو خياركم فلا يستجاب لهم وتستنصرون فلا تنصرون وتستغيثون فلا تغاثون وتستغفرون فلا تغفرون وقال حذيفة يأتي على الناس زمان لأن يكون فيهم جيفة حمار أحب إليهم من مؤمن يأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر ثم أمر سبحانه بالجماعة وترك التفرق فقال سبحانه ﴿ولا تكونوا كالذين تفرقوا﴾ في الدين وهم اليهود والنصارى ﴿واختلفوا﴾ قيل معناه تفرقوا أيضا وذكرهما للتأكيد واختلاف اللفظين كقول الشاعر:

متى أدن منه ينأ عني ويبعد

وقيل معناه كالذين تفرقوا بالعداوة واختلفوا في الديانة ﴿من بعد ما جاءهم البينات﴾ أي الحجج والكتب وبين لهم الطرق ﴿وأولئك لهم عذاب عظيم﴾ عقوبة لهم على تفرقهم واختلافهم بعد مجيء الآيات والبينات والآية تدل على تحريم الاختلاف في الدين وإن ذلك مذموم قبيح منهي عنه.