الآيات81-82

وَإِذْ أَخَذَ اللّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّيْنَ لَمَا آتَيْتُكُم مِّن كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَاءكُمْ رَسُولٌ مُّصَدِّقٌ لِّمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنصُرُنَّهُ قَالَ أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلَى ذَلِكُمْ إِصْرِي قَالُواْ أَقْرَرْنَا قَالَ فَاشْهَدُواْ وَأَنَاْ مَعَكُم مِّنَ الشَّاهِدِينَ ﴿81﴾ فَمَن تَوَلَّى بَعْدَ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ ﴿82﴾

القراءة:

قرأ حمزة وحده لما آتيتكم بكسر اللام والباقون بفتحها وقرأ نافع آتيناكم على الجمع والباقون ﴿آتيتكم﴾ على التوحيد.

الحجة:

الوجه في قراءة حمزة لما آتيتكم بكسر اللام أنه يتعلق بالأخذ كان المعنى أخذ ميثاقهم لهذا ويكون ما على هذا موصولة والعائد إلى الموصول من الجملة المعطوفة على صلته وهي قوله ﴿جاءكم رسول مصدق لما معكم﴾ مظهر بمنزلة المضمر وهي قوله ﴿ما معكم﴾ لأنه بمنزلة ما أوتوه من الكتاب والحكمة فهذا يكون مثل قوله ﴿إنه من يتق ويصبر فإن الله لا يضيع أجر المحسنين﴾ لأنه في معنى لا يضيع أجرهم ويجوز أن يكون ما على هذه القراءة حرفا فيكون بمعنى المصدر قال أبو علي ومن فتح اللام فقال ﴿لما آتيتكم﴾ فإن ما فيه يحتمل تأويلين (أحدهما) أن يكون موصولة (والآخر) أن يكون للجزاء فمن قدر ما موصولة فالقول فيما يقتضيه قوله ﴿ثم جاءكم رسول مصدق لما معكم﴾ من الراجع إلى الموصول ما تقدم ذكره في قراءة حمزة وأما الراجع إلى الموصول من الجملة الأولى فالضمير المحذوف من الصلة تقديره لما آتيتكموه واللام في لما فيمن قدر ما موصولة لام ابتداء وهي المتلقية لما أجري مجرى القسم من قوله ﴿وإذ أخذ الله ميثاق النبيين﴾ وموضع ما رفع بالابتداء والخبر ﴿لتؤمنن به﴾ ولتؤمنن متعلق بقسم محذوف والمعنى والله لتؤمنن به والذكر الذي في به يعود إلى الذي آتيتكموه الذي هو المبتدأ ونحوه قولك لعبد الله والله لتأتينه والذكر الذي في لتنصرنه يعود إلى رسول الله المتقدم ذكره وإذا قدرت ما للجزاء كانت ما في موضع نصب بأتيتكم وآتيتكم في موضع جزم بالشرط وجاءكم في موضع جزم بالعطف على آتيتكم واللام الداخلة على ما لا يكون المتلقية للقسم ولكن يكون بمنزلة اللام في لئن لم ينته المنافقون والمتلقية قوله ﴿لتؤمنن به﴾ كما أنها في قوله ﴿لئن لم ينته المنافقون﴾ قوله ﴿لنغرينك بهم﴾ وهذه اللام الداخلة على أن لا يعتمد القسم عليها فلذلك جاز حذفها تارة وإثباتها تارة كما قال ﴿وإن لم ينتهوا عما يقولون ليمسن الذين كفروا﴾ فيلحق هذه اللام إن مرة ولا تلحق أخرى كما أن كذلك في قوله والله أن لو فعلت لفعلت وو الله لو فعلت لفعلت.

المعنى:

لما تقدم ذكر النبيين عقبه سبحانه بذكر نبينا وما أخذ من عهده عليهم أجمعين فقال ﴿وإذ أخذ الله ميثاق النبيين﴾ العامل في إذ محذوف وتقديره واذكر إذ أخذ الله وقيل هو عطف على ما تقدم من قوله ﴿إذ قالت الملائكة﴾ وروي عن أمير المؤمنين (عليه السلام) وابن عباس وقتادة أن الله أخذ الميثاق على الأنبياء قبل نبينا (صلى الله عليه وآله وسلّم) أن يخبروا أممهم بمبعثه ونعته ويبشروهم به ويأمروهم بتصديقه وقال طاووس أخذ الله الميثاق على الأنبياء (عليهم السلام) على الأول والآخر فأخذ الله ميثاق الأول لتأمنن بما جاء به الآخر وقال الصادق تقديره وإذ أخذ الله ميثاق أمم النبيين بتصديق نبيها والعمل بما جاءهم به وأنهم خالفوهم فيما بعد وما وفوا به وتركوا كثيرا من شريعته وحرفوا كثيرا منها وقوله ﴿لما آتيتكم﴾ بفتح اللام إذا كانت ما موصولة فتقديره للذي آتيتكموه أي أعطيتكموه ﴿من كتاب وحكمة ثم جاءكم رسول﴾ أي نبي وقيل يعني محمد (صلى الله عليه وآله وسلّم) ﴿مصدق لما معكم﴾ أي لما آتيتكم من الكتب ﴿لتؤمنن به﴾ أي لتؤمنن بالرسول ولتنصرنه أو يريد لتؤمنن بالذي آتيتكموه ولتنصرن الرسول وعلى هذا يكون المعنى أنه إنما أخذ الميثاق على الأنبياء ليصدق بعضهم بعضا ويأمر بعضهم بالإيمان ببعض ويكون النصرة بالتصديق والحجة وهو المروي عن الحسن وسعيد بن جبير وطاووس وإذا كانت ما للجزاء فتقديره أي شيء آتيتكم ومهما آتيتكم من كتاب لتؤمنن فالشرط إيتاؤه إياهم الكتاب والحكمة ومجيء الرسول والجزاء القسم والمقسم عليه وهو قوله ﴿لتؤمنن به﴾ فأغنى جواب القسم عن الجزاء كقوله لئن أشركت ليحبطن عملك وقوله ﴿من كتاب﴾ من هذه للتبيين لما نحو قولك ما عندك من ورق وعين وهذا خاتم من فضة ويكون على هذا تقديره أن الله تعالى قال لهم مهما أوتيكم كتابا وحكمة ثم يجيئكم به رسول مصدق لما معكم من ذلك الكتاب والحكمة والله لتؤمنن به ولتنصرنه فأقروا بذلك وأعطوا عليه مواثيقهم وهذا أشبه بما ذكر أن الميثاق أخذ على الأنبياء ليأخذوا على أممهم بتصديق محمد إذا بعث ويأمروهم بنصرته على أعدائه إن أدركوه وهو المروي عن علي وابن عباس وقتادة والسدي واختاره أبو علي الجبائي وأبو مسلم ويكون معنى قوله ﴿جاءكم﴾ جاء أممكم وأتباعكم وإنما خرج الكلام على النبيين لأن ما لزمهم لزم أممهم ومن قرأ لما آتيتكم بكسر اللام فالمعنى أخذ الله ميثاقهم لما أوتوه أي لأجل ما أوتوه من الكتاب والحكمة ولأنهم الأفاضل وخيار الناس ويكون اللام للتعليل فيقتضي أن يكون الإيتاء سابقا لأخذ الميثاق وقوله ﴿لتؤمنن﴾ متعلق بأخذ الميثاق وهو في الحاصل راجع إلى معنى الشرط والجزاء وقوله ﴿و لتنصرنه﴾ أي البشارة للأمم به قال أي قال الله لأنبيائه ﴿أأقررتم به﴾ وصدقتموه ﴿وأخذتم على ذلكم إصري﴾ معناه وقبلتم على ذلكم عهدي ونظيره إن أوتيتم هذا فخذوه وقيل معناه وأخذتم العهد بذلك على أممكم ﴿قالوا﴾ أي قال الأنبياء وأممهم ﴿أقررنا﴾ بما أمرتنا بالإقرار به ﴿قال﴾ الله ﴿فاشهدوا﴾ بذلك على أممكم ﴿وأنا معكم من الشاهدين﴾ عليكم وعلى أممكم عن علي وقيل فاشهدوا أي فاعلموا ذلك أنا معكم أعلم عن ابن عباس وقيل معناه ليشهد بعضكم على بعض وقيل قال الله للملائكة اشهدوا عليهم فيكون ذلك كناية عن غير مذكور عن سعيد بن المسيب وهذه الآية من مشكلات آيات القرآن وقد غاص النحويون في وجوه إعرابها وتحقيقها وشقوا الشعر في تدقيقها ولا تراها في موضع أوجز لفظا وأكثر فائدة وأشد تهذيبا مما ذكرته هنا وبالله التوفيق ﴿فمن تولى بعد ذلك﴾ أي فمن أعرض عن الإيمان بمحمد بعد هذه الدلالات والحجج وبعد أخذ الميثاق على النبيين الذين سبق ذكرهم والمقصود بهذه الأمم دون النبيين لأنه قد مضى أزمانهم وجاز ذلك لأن أخذ الميثاق على النبيين يتضمن الأخذ على أممهم وقد روي عن علي (عليه السلام) أنه قال لم يبعث الله نبيا آدم ومن بعده إلا أخذ عليه العهد لئن بعث الله محمدا وهو حي ليؤمنن به ولينصرنه وأمره بأن يأخذ العهد بذلك على قومه ﴿فأولئك هم الفاسقون﴾ ولم يقل الكافرون لأن المراد الخارجون في الكفر إلى أفحش مراتب الكفر بتمردهم وذلك أن أصل الفسق الخروج عن أمر الله إلى حال توبقه وفي الكفر ما هو أكبر كما أن فيما دون الكفر من المعاصي ما هو أكبر وما هو أصغر بالإضافة إليه.