الآيات65-66

يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تُحَآجُّونَ فِي إِبْرَاهِيمَ وَمَا أُنزِلَتِ التَّورَاةُ وَالإنجِيلُ إِلاَّ مِن بَعْدِهِ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ ﴿65﴾ هَاأَنتُمْ هَؤُلاء حَاجَجْتُمْ فِيمَا لَكُم بِهِ عِلمٌ فَلِمَ تُحَآجُّونَ فِيمَا لَيْسَ لَكُم بِهِ عِلْمٌ وَاللّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ ﴿66﴾

القراءة:

قرأ أهل الكوفة ﴿ها أنتم﴾ بالمد والهمز وقرأ أهل المدينة وأبو عمرو بغير مد ولا همز إلا بقدر خروج الألف الساكنة وقرأ ابن كثير ويعقوب بالهمزة والقصر من غير مد على وزنها عنتم وقرأ ابن عامر بالمد دون الهمز.

الحجة:

الكلام في المد والهمز كثير والوجه أن من حقق فعلى الأصل لأنهما حرفان ها وأنتم ومن لم يمد ولم يهمز فللتخفيف من غير إخلال.

اللغة:

الفرق بين الحجاج والجدال أن الحجاج يتضمن إما حجة أو شبهة في صورة الحجة والجدال هو فتل الخصم إلى المذهب بحجة أو شبهة أو إيهام في الحقيقة لأن أصله من الجدل وهو شدة الفتل والحجة هي البيان الذي شهد بصحة المقال وهو والدلالة بمعنى واحد.

الإعراب:

﴿ها أنتم﴾ للتنبيه وقد كثر التنبيه في هذا ولم يكثر في ها أنت لأن ذا مبهم من حيث يصلح لكل حاضر والمعنى فيه واحد بعينه مما يصلح له فقوي بالتنبيه لتحريك النفس على طلبه بعينه وليس كذلك أنت لأنه لا يصلح لكل حاضر في الجملة وإنما هو للمخاطب وخبر هؤلاء على أن أولاء بمعنى الذين وما بعده صلة له.

النزول:

قال ابن عباس والحسن وقتادة إن أحبار اليهود ونصارى نجران اجتمعوا عند رسول الله فتنازعوا في إبراهيم فقالت اليهود ما كان إلا يهوديا وقالت النصارى ما كان إلا نصرانيا فأنزل الله هذه الآية.

المعنى:

﴿يا أهل الكتاب لم تحاجون في إبراهيم﴾ أي لم تنازعون وتجادلون فيه وتدعون أنه على دينكم ﴿وما أنزلت التوراة والإنجيل إلا من بعده﴾ أي من بعد إبراهيم ﴿أفلا تعقلون﴾ إن الإقامة على الدعوى من غير برهان غير جائزة في العقل فكيف يجوز الإقامة على الدعوى بعد ما ظهر فسادها فإن قيل لو دل نزول التوراة والإنجيل بعد إبراهيم على أنه لم يكن على اليهودية والنصرانية لوجب أن يدل نزول القرآن بعده على أنه لم يكن على الإسلام فالجواب أن الكل متفقون على أنه متسم باسم الإسلام غير أن اليهود ادعوا أن الإسلام هو اليهودية والنصارى ادعوا أنه هو النصرانية والتوراة والإنجيل أنزلتا من بعد إبراهيم واسمه فيهما اسم الإسلام وليس في واحد منهما أنه كان على دين اليهودية والنصرانية وأما القرآن وإن كان منزلا بعده ففيه وصف إبراهيم بدين الإسلام ونفي اليهودية والنصرانية عنه ففي هذا أوضح حجة على أنه كان مسلما وأن محمدا (صلى الله عليه وآله وسلّم) وأمته الذين لهم اسم الإسلام أولى به منهم وقد قيل إن اليهود اعتقدوا أن اليهودي اسم لمن تمسك بالتوراة واعتقد شريعته والنصارى اعتقدوا أن النصراني اسم لمن تمسك بالإنجيل واعتقد شريعته فرد الله تعالى دعوى الفريقين وأخبر أن التوراة والإنجيل ما أنزلا إلا من بعد إبراهيم فكيف يكون متمسكا بحكمهما وأما نحن فلم ندع أن المسلم هو المتمسك بحكم القرآن إذ الإسلام عبارة عن الدين دون أحكام الشريعة فوصفناه بالإسلام كما وصفه الله به فإن قيل فهل كان إبراهيم متمسكا بشرائع الإسلام كلها التي نحن عليها قلنا أنه كان متمسكا بدين الإسلام وببعض أحكام شريعة نبينا (صلى الله عليه وآله وسلّم) لا بجميعها لأن من حكم الشريعة قراءة القرآن في الصلاة ولم يكن ذلك في شريعته وإنما قلنا أنه مسلم وإن كان متمسكا ببعض أحكام الشريعة لأن أصحاب النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) في بدو الإسلام كانوا مسلمون قبل استكمال الشرع وقبل نزول تمام القرآن والواحد منا مسلم على الحقيقة وإن لم يعمل بجميع أحكام الشرعية ﴿ها أنتم﴾ يا معشر اليهود والنصارى وهو في الظاهر تنبيه على أنفسهم والمراد به التنبيه على حالهم إذ التنبيه إنما يكون فيما قد يغفل عنه الإنسان دون ما يعلمه ﴿حاججتم﴾ جادلتم وخاصمتم ﴿فيما لكم به علم﴾ معناه حاججتم ولكم به علم لوجود اسمه في التوراة والإنجيل ﴿فلم تحاجون فيما ليس لكم به علم﴾ أي فلم تحاجون في دينه وشرعه وليس لكم به علم لم ينكر الله تعالى عليهم محاجتهم فيما علموه وإنما أنكر عليهم محاجتهم فيما لم يعلموا ﴿والله يعلم﴾ شأن إبراهيم ودينه وكل ما ليس عليه دليل لأنه العالم لجميع المعلومات ﴿وأنتم لا تعلمون﴾ ذلك فلا تتكلموا فيه ولا تضيفوا إليه ما لا تعلمونه واطلبوا علم ذلك ممن يعلمه.